لا أدرى كيف يمكن أن يفسر التنسيق بين دولة الإمارات وروسيا داخل منصة "أوبك +" بااعتباره خطوة لتأسيس ما يسميه البعض بمحور ممانعة نفطي، و يبدو أن مثل هذه المسميات تستهوي بعض المحللين في منطقتنا وتغريهم باستخدامها في تفسير كثير مما يحدث حولنا.
البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية في ختام اجتماع عقد بين سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي ونظيره الروسي سيرجي لافروف، يشير إلى "التنسيق الوثيق بين روسيا والإمارات العربية المتحدة على منصة أوبك+ من أجل استقرار أسعار الطاقة العالمية والتنبؤ بها"، ولا اعتقد أن في هذا الموقف المتزن يمكن أن ينطوي على أي تلميح بشأن تمحور حول موقف معين. حيث يرى البعض أن زيارة لافروف للرياض تمثل ضربة إستباقية للجولة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، من دون أن تمتد رؤيتهم لتشمل أبعاد أخرى أهم لكل هذه التحركات مثل التحول النوعي الحاصل في مكانة دول مجلس التعاون وثقلها الإستراتيجي، بحيث أصبحت طرف تسعى القوى الكبرى إلى كسب وده وليس إستخدامه أو توظيفه لمصلحتها في هذه الصراعات. من الطبيعي في ظروف دولية كهذه أن تتحرك روسيا استباقاً لجولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشرق الأوسط، والتي تشمل زيارة مرتقبة للمملكة العربية السعودية، وهي زيارة مهمة بكل المقاييس ويمكن أن تكون تاريخية لأنها قد تعيد تعريف أسس التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الامارات حيث تتحدث تقارير إعلامية غربية عن إطار جديد للعلاقات الإماراتية الأمريكية.
لا شك أن كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، بمواقفهما الموضوعية المتزنة تجاه الأزمة الأوكرانية، قد نجحتا في أن تحدثا تحولاً نوعياً ملموساً في قواعد اللعبة على الصراع والنفوذ بمنطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة لم تعد تنظر للدولتين وفق منظور تقليدي قديم كان يقوم على التبعية لا الندية، وروسيا باتت تدرك أهمية الدور الذي تلعبه الدولتين في بناء توازن دولي جديد تتحقق فيه مصالحهما من دون الاخلال بعلاقات الشراكة والتحالف القائمة مع مختلف القوى الكبرى.
من نافل القول أن الإمارات لا تميل مطلقاً للمحاور الأحادية، باعتبارها مظهراً من مظاهر حقب زمنية سابقة لم تعد تتناسب مع طبيعة العلاقات الدولية الراهنة، ناهيك عن تضاربها مع مصالحها ورغبتها الحثيثة في الإنفتاح على جميع الدول والقوى الإقليمية والدولية وبناء علاقات ندية متوازنة مع الجميع من دون إستثناء.
ولا أحد ينكر نجاح دولة الإمارات في تفادي أعاصير السياسة والصراعات الدولية والإقليمية، والتركيز على أهدافها التنموية وتحقيق أهدافها الاقتصادية، في إنعكاس واضح لمبادئ نصت عليها وثيقة الخمسين فيما يتعلق بتوجيه السياسة الخارجية نحو خدمة الأهداف الاقتصادية، وبالتالي فالمسألة لا تتعلق بتحالفات أو محاور نفطية أو غازية أو سياسية، بل تتعلق بأهداف دقيقة تحرص الدبلوماسية الإماراتية على تنفيذها بعيداً عن صراع المفاهيم والمسميات.
أعتقد أن كثير مما يكتب عن حالة العلاقات الخليجية مع القوى الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا والصين، ينتمي إلى مفهوم التحليل بالتمني، بمعنى أن معظم الطروحات تٌبنى سياسياً وفكرياً وفقاً لانحيازات كتّابها أو وسائل الإعلام، وليس انطلاقاً من الواقع، الذي يشير إلى أن دول مجلس التعاون ليست بالتأكيد في وارد التخلي أو التحلل من شراكاتها الأمنية والسياسية مع الولايات المتحدة، ولا تستطيع كذلك التضحية بمصالحها الإقتصادية والتجارية الضخمة مع الصين، ولا تعاونها النفطي والإستراتيجي مع روسيا، ما يعني أن فكرة الإنحياز لطرف ضد آخر في الصراع الدولي المحتدم، أو الإنخراط في محاور مع طرف ضد آخر لا تجد ما يدعمها في التوجهات السعودية أو الإماراتية على سبيل المثال، وإلا لما دار الكثير من الجدل والسجالات حول مواقف الدولتين من الآزمة الأوكرانية على سبيل المثال.
هناك توجهات خليجية قائمة على ضرورة وحدة الصف والمواقف في هذه المرحلة المعقدة من التطور في العلاقات الدولية والنظام العالمي، لذا فإن من غير المنطقي أن يكون الإرتباط بأي محاور هو شعار المرحلة ما عدا محور المصالح، سواء تلك التي تجمع دول مجلس التعاون وشعوبها، أو مصالحها المشتركة مع بقية دول العالم، وبالتأكيد هناك حد أدنى للتوافق حول ماهية هذه المصالح. وبالتالي يصبح من المستبعد أن تنخرط هذه الدول في محاور سياسية أو عسكرية أو نفطية لأن ذلك يعني أنها باتت طرفاً في صراعات نفوذ لا مصلحة لها فيها.