لاشك أن الجولة الشرق أوسطية التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وتشمل زيارة كل من المملكة العربية السعودية واسرائيل، هي تحرك تاريخي من حيث الظروف والتوقيت والمعاني والدلالات. ولهذه الجولة المهمة ثلاثة أبعاد يمكن الحديث عنها كل على حدة، وهي العلاقات الأمريكية ـ السعودية، والعلاقات الأمريكية ـ العربية، والعلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، ولكل من هذه الأبعاد والملفات تشابكات وتفاصيل حيوية يمكن سردها في سياقاتها.
المحطة الأبرز والأهم في زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط هي المملكة العربية السعودية، وهذا ليس إستنتاجاً شخصياً، ولكنه مجرد رصد وتحليل من واقع كم غزير من المقالات والتحليلات التي نشرتها الصحف الأجنبية والعربية حول هذه الزيارة التاريخية بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معان.
في ضوء ماسبق، لا يساورني أي شك في أن العالم أجمع سيتابع لحظة اللقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس بايدن، وقد رأينا كيف تابعت وسائل الإعلام الدولية والإقليمية تفاصيل زيارة الأمير السعودي الشاب لتركيا، وكيف خضعت تفاصيل الزيارة كلها للرصد والبحث والتحليل، ومن ثم علينا أن نتوقع إهتماماً عالمياً مكثفاً بمجريات الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية.
بعيداً عن الخوض في سياقات جدلية، فإن الزيارة هي ترجمة مؤكدة وجلية لمكانة المملكة العربية السعودية ودورها ليس في أسواق النفط العالمية فقط، فهذه مسألة رقمية محسومة، ولكن بالنسبة لتوازنات القوى وضمان أمن الطاقة والصراع القطبي المحتدم بين القوى القطبية.
بلا شك أن هذه الزيارة هي ـ برأيي ـ إعادة تعريف لأسس ومرتكزات الشراكة الإستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، حيث بدا واضحاً خلال الأعوام الأخيرة أن الأسس والثوابت التي قامت عليها هذه الشراكة منذ نحو ثماني عقود تتعرض لإختبارات تحمل صعبة، وأن نتائج هذه الإختبارات لاتدعم إستمرار هذه الشراكة ـ بمقوماتها الراهنة ـ وأن الأمر بحاجة إلى إعادة تأطير هذه الشراكة ووضع عناوين جديدة لها بما يتوافق مع واقع العصر وتطلعات ومصالح البلدين الشريكين.
ومما لا ريب فيه أيضاً أن معادلة الأمن مقابل النفط لم تعد قادرة على الصمود في مواجهة متغيرات العصر، وبالتالي من الضروري أن يتناقش الجانبين حول تعريفات وروابط جديدة ترتكز عليها شراكتهما الإستراتيجية، علماً بأن العلاقات القوية التي تجمع البلدين توفر لهما المجال الكافي وهامش المناورة لتطوير أسس الشراكة وتجديد دمائها لأن مصالح الدول تبقى بالأخيرة أهم من أي تقديرات أو خلافات عابرة أو وجهات نظر، لاسيما إذا كانت هذه الأمور وليدة إنفعالات وقتية أو إرتبطت بأمور لا علاقة لها بمصالح الدول، بل كادت أن تتحول إلى قيد يضر بهذه المصالح ويحد من حركتها وفرص تطورها.
في ضوء كل ذلك، لا يمكنني الوقوف كثيراً عند ما يصفه البعض بالتحول الحاصل في سياسة الرئيس بايدن تجاه المملكة العربية السعودية، فقناعتي أن الرئيس الأمريكي قد وقع فريسة لمواقف متسرعة خلال حملته الإنتخابية، حتى أن التحلل من هذه المواقف والتماهي مع سياسات بلاده ومصالحها الإستراتيجية قد أصبح صعباً بمرور الوقت، ورغم أن هذا التسرع يؤخذ عليه وهو السياسي المخضرم في دهاليز وأروقة صناعة القرار الأمريكي حين كان نائباً للرئيس الأسبق أوباما، بمعنى أنه يدرك جيداً المكانة المحورية للمملكة العربية السعودية بالنسبة لمصالح بلاده في الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي، ولكن بالأخير هذا ماحدث ومن حسن حظه أن الظروف قد وفرت له الفرصة لتصويب موقفه ومحاولة إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
الواقع يقول أن الرئيس بايدن يأتي إلى المملكة العربية السعودية وهو ليس في أفضل أحواله السياسية، داخلياً وخارجياً على حد سواء، فالرجل محاصر بأزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا وإحتمالية فشل مفاوضات إحياء الإتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى الإستحقاق الأهم داخلياً وهو إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، فضلاً عن شكوك عميقة وعلامات إستفهام عريضة تواجه الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، ولكن الأمر هنا لا يتعلق بشخص الرئيس، بل برؤية الولايات المتحدة الإستراتيجية لعلاقاتها مع السعودية وبقية دول مجلس التعاون، لذا فإن الزيارة توفر فرصة تاريخية للرئيس بايدن للإجابة على كثير من التساؤلات وتوضيح الأمور ووضع الأمور في نصابها.