خلال زيارته مؤخراً إلى الجمهورية الفرنسية، كان تقديم عرض بلاده لاستضافة معرض "اكسبو 2030"، بنداً أساسياً ضمن برنامج زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث حرص سموه على إبراز دعم القيادة السعودية القوي لملف الإستضافة، وتوضيح مكامن القوة والتميز في الملف السعودي، الذي يخوض منافسة شرسة مع عروض أخرى قدمتها ايطاليا وكوريا الجنوبية.
أحد أهم جوانب قوة وجاذبية ملف الإستضافة السعودي، برأيي، تتمثل في هذا الحماس الذي يبديه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، الذي يقود بلاده نحو عصر جديد من النمو والحداثة في إطار رؤية 2030، التي يتوقع لها أن تضع المملكة العربية السعودية في مصاف القوى المؤثرة عالمياً في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والصناعية والتجارية والرياضية، وليست النفطية فقط، وهذا بحد ذاته نقطة قوة ناعمة لا تقل أهمية عن القوة الناعمة التي يراهن عليها الإيطاليون للفوز بملف الاستضافة، فالمملكة العربية السعودية بالأخير بلد واعد يمكن أن يلعب دور القاطرة إقليمياً ودولياً لإحداث إنتقال نوعي لشريحة عريضة من الدول والشعوب من خلال ترسيخ نموذج نهضوي يمكن مضاهاته واستنساخ بعض جوانبه في دول أخرى تطمح للمضي في المسار التنموي ذاته.
هذه الإستضافة بالنسبة للمملكة العربية السعودية ليست إستعراضاً للقوة المالية والاقتصادية كما يراها البعض، بل هي ترجمة فعلية لمسيرة التطوير والتحديث والنمو التي تشهدها البلاد وفق رؤية 2030، ما يعني أن هذا المعرض والحدث الدولي المهم، سيكون جزءاً من جهد ومخطط أشمل للمملكة، التي خصصت 7.8 مليار دولار إستثمارات من أجل إستضافة المعرض في العاصمة الرياض، وذلك في إطار وطني أشمل ينطوي على أكثر من 3.3 تريليون دولار إستثمارات تنموية خصصتها المملكة العربية السعودية حتى نهاية العقد الجاري.
المخطط السعودي للإستضافة يضم أفكار ومبادرات مبتكرة منها "مختبر الإستثمار العالمي" الذي ستطلقه المملكة العربية السعودية وسيكون مركزاً عالمياً للابتكار، في إطار ترجمة فعلية للشعار الذي يشكل موضوعاً رئيسياً للمعرض هو "معاً نستشرف المستقبل" في إطار شعار تشاركي جذاب هو "حقبة التغيير.. المضي بكوكبنا نحو إستشراف المستقبل".
إن أكثر ما يعجبني في الجهد والتخطيط والمبادرات السعودية أنها تمضي في إطار منظومة مترابطة وسياسات يخدم بعضها بعضاً وتنطلق جميعها من رؤية إستراتيجية واضحة ودقيقة، وهو مايضفي على هذا الجهد رونقاً خاصاً وتميزاً يبهر المراقب للتطور المتسارع الذي تشهده المملكة.
وقد شاهدت أجزاء من العرض السعودي، الذي جاء مزيجاً متناسقاً من الأصالة والمعاصرة، ويجمع بين روح المملكة العربية السعودية وثقافة شعبها من ناحية وما تتطلع إليه في المستقبل من ناحية ثانية، وهذا بحد ذاته أحد جوانب تميز هذا العرض وجاذبيته في مواجهة منافسين قويين مثل ايطاليا وكوريا الجنوبية، فضلاً عن نقاط وجوانب أخرى عديدة يمتلكها الملف السعودي، ولاسيما على صعيد الإستضافة والتنظيم، وهي النقطة التي لا اعتقد أن ملفات أخرى منافسة يمكن أن تضاهي فيها المملكة العربية السعودية، التي إعتادت إستقبال أكثر من ثلاثة ملايين حاج سنوياً في توقيت ومكان واحد، ما أسهم في أنها تراكم خبرات إستثنائية هائلة على صعيد هذه الفعاليات الدولية الكبرى، علاوة على أن رؤية 2030 نفسها تستهدف إحداث نقلة نوعية كبرى على الصعيد السياحي بالمملكة العربية السعودية، سواء من خلال إستحداث مدن ومنشآت سياحية عالمية سيتكون جاهزة بعد سنوات قلائل، مثل "نيوم" و"مشروع البحر الأحمر" و"الدرعية"، و"حديقة الملك سلمان" و"الرياض آرت" والخطط الطموحة للغاية على الصعيد الرياضي والثقافي والترفيهي، التي تتضافر جميعها من أجل تحقيق هدف جذب أكثر من 145 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030 منهم 42 مليون فقط للسياحة الدينية.
بلاشك أن الأهداف التي تتضمنها رؤية 2030 وخطط التنمية السعودية توحي بأن المنطقة بأكملها، وليست المملكة فقط على موعد مع نقلة نوعية كبرى بحلول عام 2030، وأن هذه الطفرة ستحدث آثاراً ايجابية عميقة على الصعيد الإقليمي، سواء من حيث التشجيع على المنافسة، أو من حيث تحفيز الآخرين على اللحاق بركب التطور والتقدم، الذي سيلعب دوراً بالغ التأثير في تحقيق الأمن والاستقرار والتعايش والإنفتاح ونبذ التطرف والكراهية والإرهاب من المنطقة والعالم بأكمله.
السعودية أول النمور الشرق أوسطية القادمة، والعالم يدعم هذا التوجه القوي نحو التغيير، لأن الجميع يدرك مكانة المملكة العربية السعودية وثقلها ودورها وتأثيرها، وكيف أن هذا التغيير سيغير وجه المنطقة بأكملها، وبالتالي فإن قناعتي بأن استضافة السعودية للحدث العالمي "اكسبو 2030" ستحظى بدعم دولي كبير في عملية الاقتراع التي ستجرى في نوفمبر المقبل، وتشارك فيها نحو 179 دولة.
"اكسبو 2030" منصة تشاركية دولية مهمة مكانها الحقيقي المناسب على أرض الرياض التي وعدت بأن توفر للعالم أجمع تجربة فريدة في العمل معاً.