لم يعد لدي شك في دوافع التعليقات والإنتقادات التي توجه إلى المملكة العربية السعودية انطلاقاً مما يحدث من عمليات جذب كبيرة لمشاهير لاعبي كرة القدم للإنضمام إلى الأندية السعودية، حيث بات واضحاً أن هناك محرك حصري يقف وراء هذه الإنتقادات وهو الحقد والغيرة تجاه قدرة هذه الأندية على خطف الأضواء والدخول إلى ساحة المنافسة التي ظلت حكراً على الأندية الأوروبية لعقود وسنوات طويلة مضت.
الأمر هنا لا يتعلق بالبطولات والتنافس الرياضي فقط، فالرياضة نفسها باتت إقتصاد وصناعة ضخمة للغاية، ولها ارتباطات بصناعة أخرى كبيرة كالإعلام والتسويق وغيره، وبالتالي نحن نتحدث عن مداخل وأرقام واحصاءات يعد التزاحم عليها والخوض في منافساتها مدعاة لقلق من استحوذوا على هذه "الكعكة" طيلة الفترة الماضية.
كثير من مقالات الرأي في الإعلام الغربي تتحدث عما تصفه بغسيل السمعة الرياضي الذي تقوم به المملكة العربية السعودية، وهو رأي لا يعبر سوى عن قناعة أصحابه، ويكذبه الواقع، لأن ما يحدث بالمملكة العربية السعودية يمضي بوتيرة متسارعة في قطاعات تنموية كاملة ومسارات متوازية ولا يقتصر على الرياضة أو جذب مشاهير كرة القدم، والجذب هنا ليس هدفاً بحد ذاته، والمسألة كلها محكومة بالارقام ودراسات الجدوى، لكن علينا أن نتذكر أن حسابات الربح والخسارة هنا لا ترتبط بالأرقام والشق المادي فقط، بل هناك عوائد إستراتيجية شاملة ومتكاملة، أحياناً لا تقدر بمال، يجب أخذها بالاعتبار عند تقييم ماتشهده المملكة العربية السعودية من طفرة تنموية نوعية، تعد الرياضة، وكرة القدم بصفة خاصة واحدة من مظاهرها المتنوعة.
يعجبني أن المسؤولين والجهات المختصة بالمملكة العربية السعودية لا يركزون كثيراً مع هذه الثرثرة الإعلامية الغربية، ويتفرغون تماماً لإدارة رؤية المملكة 2030، بكل ماتنطوي عليه من أهداف رئيسية وثانوية، سيكون إنجازها وتحقيق مستهدفاتها، أبلغ رد على كل تشكيك في دوافع هذا الطموح التنموي غير المسبوق.
مؤخراً، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالاً بعنوان "هل هناك من يقتنع بغسيل السمعة الرياضي السعودي" إنتقد فيه الكاتب حصول اللاعبين العالميين الكبار على أرقام كبيرة في الدوري السعودي، مع أن هذه الأرقام هي نفسها التي كانوا يتقاضونها في أنديتهم قبل الإنتقال للمملكة العربية السعودية، ثم يتساءل عن قدرة السعودية على تحويل أنديتها إلى "ماركات تجارية عالمية"، وخلق الشغف بمتابعة الدوري السعودي عالمياً، ويجيب قائلاً "لابد أنهم يمزحون"، وهذا الرد بحد ذاته لا يستند إلى رؤية منطقية أو موضوعية، بل هو موقف مسبق مدفوع بالحقد والحسد ورفض الفكرة من الأساس، فلم يعزز الكاتب رؤيته بالقياس على تجارب مناظرة أو طرح احصاءات أو أي أسانيد تعزز وجهة نظره بخلاف التصور الجاهز، القائم على رفض ما يحدث لسبب أو لآخر.
كرة القدم وغيرها هي رياضة لا علاقة لها بالسياسة أو القضايا الخلافية، والغرب نفسه هو من كان يحرص على ترديد هذه الفكرة، ودعوة العالم للأخذ بها، ولكننا نراه الآن ينطلق من موقف مغاير ويزج بالسياسة في الرياضة ويتحدث عن غسيل سمعة مزعوم للمملكة العربية السعودية مع أن هذه المسألة لم تكن لتحتاج كل هذا الإنفاق السخي كي يمكن تحقيق هدف بسيط يتعلق بغسل السمعة أو غير ذلك، واعتقد أن الدول الكبرى تعرف هذه الحقيقة جيداً، وهي أدرى بما فعلت ولا تزال في قضايا ومناطق مختلفة من العالم، ثم تقوم بمحو كل أثر لذلك بحملات إعلامية ودعائية مدروسة.
بلاشك أن السؤال الأهم ليس من بين تساؤلات مقال "الغارديان" بل هو متى يدرك الغرب أن المملكة العربية السعودية تتغير فعلياً، وأن ما يراه ويقرأ عنه هو حقيقة تحدث على أرض السعودية وليس عملية ممنهجة لغسل السمعة، فهناك إستراتيجيات وخطط مدروسة ومدن ذكية ضخمة تقام وتمويل هائل يُضخ، وهناك خطط وعمل تنفيذي في قطاعات الفنون والثقافة والتعليم والصناعة والاقتصاد والاستثمار والرياضة.
معركة السعودية الحقيقية ليست في تغيير صورتها لدى الغرب بل في حلحلة أو تغيير ذهنية/ فكر الغرب كي يستطيع قبول التغيير الفعلي الحاصل على أرض عربية إسلامية شرق أوسطية، فهناك أوساط غربية لا تزال ترى دول هذه المنطقة "توابع" غير فاعلة، ولا تصدق أن هناك من يستطيع الاضطلاع بمهمة النهضة ونقل دوله لمواكبة متطلبات التنافسية الشرسة في القرن الحادي والعشرين.
قناعتي أن الجميع عليه أن ينتظر نتائج الحراك التنموي السعودي، ولا يستبق الأحداث ويقفز إلى استنتاجات قائمة على قوالب نمطية مغلوطة، فالحاصل بالمملكة العربية السعودية هو حقيقة لها أسس تنطلق منها وتستند إليها، وعلى الجميع أن يدرك أن التجربة الغربية النهضوية ليست حصرية، فلكل شعب أو أمة تجربتها وفكرها، ولاشك أن حصر التفكير في شرنقة غسل السمعة الرياضي يضر بالغرب ويضعف قدرته على رؤية الواقع وفهم مايحدث من حوله.