نٌقل عن علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني قوله خلال لقائه في طهران، محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي، إن إيران "مستعدة لحماية العراق ممن يريدون زعزعة أمنه واستقراره"، مضيفاً أن العراق "أفضل بلد عربي في المنطقة من حيث ثرواته الطبيعية والبشرية، إضافة إلى موروثه الثقافي والتاريخي والحضاري". والحقيقة أن هذا التصريح لافت بحد ذاته لأن العراق لا يحتاج من خامنئي الإستماع إلى وعد بالحماية ممن يريدون زعزعة أمنه واستقراره، بل يريد أن يتعهد المرشد الإيراني بأن يكف يد بلاده عن إيذاء العراق وانتهاك سيادته الوطنية.
لا يريد العراق بالتأكيد من جيرانه حمايته، بل يريد فقط أن يرفع هؤلاء أيديهم عنه، وأن يلتزموا بمبدأ حسن الجوار، وهذا الكلام لا يغيب عن ذهن المرشد ورفاقه من الملالي، ولكن هذا النظام قد أدمن الكذب والخداع حتى بات يصدق نفسه، ويؤمن بأن أكاذيبه يمكن أن تحظى بثقة الآخرين؛ فالجميع يعرف من يعبث بأمن العراق ومن يتسبب في تقويض أمنه واستقراره، ومن له مصلحة مباشرة في أن يبقى هذا البلد العربي الكبير على حاله من دون أن تلوح له فرصة إستعادة قوته الإقتصادية وعافيته التنموية ناهيك عن نفوذه الإستراتيجي.
الواقع يقول أن العراق، إلى جانب اليمن، أكثر الأطراف الإقليمية تأثراً بسياسات الهيمنة التوسعية الإيرانية، فهذا البلد العربي العريق يدفع ثمناً غالياً للتمدد الطائفي الإيراني في الجسد العراقي، وعلامات هذا التمدد ومؤشراته لا تخفى على أحد سواء من خلال خلال الصراع السياسي الطائفي سواء بين الشيعة والسنة، أو بين الأطراف الشيعية الرئيسية في البلاد.
اللافت أن هذا الموقف الإيراني الذي يحاول الإيحاء بدعم إستقرار العراق يأتي في سياق دعوة وجهها أمير سعيد إيرواني مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، وحث فيها مجلس الأمن الدولي على إدانة إعتداءات إسرائيل وهجماتها على سوريا، معتبراً ذلك انتهاكاً للقانون الدولي والقانون الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، وكأن الضربات الإسرائيلية في سوريا تخضع لقانون دولي آخر غير الذي تخضع له الضربات والانتهاكات الإيرانية في العراق!
درس المبادىء الذي نطق به المبعوث الإيراني لدى الأمم المتحدة دفاعاً عن سوريا هو ذاته الدرس الذي يجب أن يوجه إلى قادته في طهران، فسوريا التي قال إن لها الحق في الدفاع عن نفسها وفق المواثيق الدولية، هي في موقف مماثل للعراق الذي تنتهك إيران سيادته مراراً وتكراراً، والبلدان العربيان الكبيران يعانيان جراء نفس الإشكاليات والإنتهاكات، لافرق في ذلك بين تدخل إيراني أو إسرائيلي أو تركي، علماً بأن ثمة نقطة بالغة الأهمية هنا وهي أن الضربات الإسرائيلية في سوريا تستهدف مواقع إيرانية أو موالية لإيران تعتبرها إسرائيل تهديداً لها، بمعنى أن إيران تصنع التهديد وتحاول التنصل منه في الوقت ذاته والزعم بالدفاع عن الآخرين، أضف إلى ذلك أن سوريا لا تستطيع في واقع الأمر إخراج الميلشيات الموالية لإيران من أراضيها على الأقل في الوقت والظروف الراهنة، لأسباب واعتبارات معقدة للغاية، بينما يتعهد العراق بحماية حدوده مع إيران ومنع أي تهديد للأخيرة من الأراضي العراقية.
لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في شمال سوريا سوى من خلال الحفاظ على سيادة ووحدة أراضيها واحترام سيادتها، وهذا أيضاً هو حال العراق وكل الدول، فلماذا لا تبدأ إيران بنفسها في الإلتزام بهذه المبادىء وترفع أيديها عن العراق وتلتزم بما تطالب به الآخرين؟ النقاش هنا ليس دعماً لأحد ولا قبولاً لانتهاك دون آخر، ولكنه تذكير بأن المبادىء لا تتجزأ وأن المصداقية تكتسب من خلال الفهم والتطبيق والإلتزام الكلي بها وليس خرقها في جانب والمطالبة بها في جانب آخر!
بلاشك أن كل خرق أو إنتهاك لسيادة أي دولة هو مسألة مرفوضة، وتخالف القوانين والمبادىء الدولية، ولكن المفارقة تبرز وتثير السخرية حين نشهد طرفاً إقليمياً يمارس جميع صنوف العربدة وممارسات إنتهاك سيادة الآخرين، ويمنح نفسه في الوقت ذاته حق الوصاية ويرتدي ثوب البراءة ويدعو لإدانة ممارسات مماثلة لما يفعله هو نفسه في دول أخرى!
قناعتي الشخصية أن القادة العراقيين يدركون تماماً حقيقة ما تفعله إيران ببلادهم، ولكن لا مناص و لا مفر أمامهم من مواصلة التعاون مع نظام الملالي، فهو جار الشر الذي لابد منه بالنسبة لهم، وأخف الضررين بالنسبة للعراق هو محاولة احتواء التدخلات الإيرانية في شؤونه الداخلية، أو على الأقل الحد والتخفيف منها، ورغم أن هذا السيناريو يبدو صعباً للغاية ويرتبط في الأخير بمدى تلاقيه أو التقائه مع المصالح والأهداف والخطط الإيرانية، فإن مصالح العراق تقتضي إستمرار المحاولة وبذل الجهود في هذا الاتجاه.