لم تحظ لقطة من لقطات بطولة كأس العالم الأخيرة باهتمام يفوق لقطة إرتداء النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي "البشت" الخليجي خلال لحظة تسلم "الكأس"، حيث قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بوضع "البشت" على أكتاف ميسي الذي أكمل مشاهد الاحتفال بالبطولة مرتدياً الزي الخليجي بشكل لفت أنظار العالم أجمع.
هذه اللقطة الأبرز على الإطلاق هي مزيج له مفعول السحر بين الرياضة والسياسة والعلاقات العامة وفنون الدعاية والصورة الذهنية، واكتسبت تأثيراً مضاعفاً لأنها جاءت بعد مباراة وصفت بالإجماع بأنها "الأعظم" في تاريخ نهائي بطولات كأس العالم لكرة القدم، لتصبح اللقطة الأبرز في تاريخ "المونديال" وفي مسيرة أحد أحد أهم أساطير اللعبة على مر التاريخ.
هذه اللقطة، أثارت جدلاً عالمياً واسعاً على قدر إنتشارها، وأشعلت الجدل السياسي الذي رافق هذه البطولة تحديداً منذ بدايتها وحتى من قبلها بأشهر وسنوات عديدة، حيث أعرب معظم المغردون" العرب عبر وسائل التواصل الإجتماعي عن الفخر باللقطة، واعجابهم بتفكير قطر في هذا الشأن ووصفوها بأنها "لمسة ذكية وتفكير من خارج الصندوق"، فيما أعرب آخرون عن إمتعاضهم منها وإنتقادهم لها سواء لأنها تخلط السياسي بالرياضي أو لأن "البشت" قد حجب ـ برأيهم ـ القميص الخاص بالمنتخب الأرجنتيني الفائز بالبطولة الذي يرتديه ليونيل ميسي، وقال بعض هؤلاء إن "البشت" تحول في هذا المشهد إلى أداة من أدوات قطر لتشتيت الإنتباه عن سجل حقوق الإنسان وإتهامات الرشوة التي طالتها في البرلمان الأوروبي، وأن إرتداء ميسي للبشت هو من عمليات "غسيل السمعة الرياضي" التي اعتمدتها قطر منذ إنطلاق البطولة. على النسق الرافض أو المنتقد مضت صحيفة "الجارديان" البريطانية التي اعتبرت أن صور ميسي مرتدياُ "البشت الأسود" كانت لحظة إسترداد عوائد إستثمارات قطر في البطولة" وقالت "التلجراف" إن "التصرف الغريب قد حطم أعظم لحظة في تاريخ كأس العالم".
وبين هذا وذلك هناك فريق ثالث رأي في الصورة رمزية للتعايش والتلاقي بين الثقافات ودور كرة القدم في بناء الجسور بين الشعوب والأمم، واعتبر هؤلاء أن التقليد نفسه ليس جديداً وأن بيليه نجم البرازيل سبق أن ارتدى "القبعة المكسيكية" بعد تتويج بلاده بلقب بطولة كأس العالم في "مونديال" المكسيك عام 1970، ولكن حتى هذه قيل أنها تتعلق بقبعة رأس وليست بزي غطى على ملابس اللاعب بأكملها، بينما رأى آخرون من هذا الفريق أن الموقف يصب لمصلحة قطر ولكن إختيار التوقيت لم يكن ملائماً بحسابات المنتخب الأرجنتيني الذي اختفى قميص قائده تحت "البشت" الخليجي، وهي في مجملها مواقف لم تحمل جديداً لأنها تعبر ـ إلى حد كبير ـ عن مواقف أصحابها والمتعاطفين معها منذ بدء البطولة وحتى ختامها.
تحليل الصورة يقول أن هناك إتفاق مسبق مع ميسي على إرتداء "البشت" في هذه اللحظة تحديداً، حيث تحرك أمير قطر برفقة رئيس "الفيفا" واتجها نحو قائد المنتخب الأرجنتيني لتسليمه الكأس مرتدياً الزي الخليجي الذي ينطوي على رمزية ثقافية عميقة، والمؤكد أن ميسي لم يفاجىء كما أن أمير قطر لن يضع نفسه موضع ينطوي على إحتمالية الحرج أو الفشل بما يعنيه ذلك من إهدار لكل النجاح التنظيمي الذي يعود إلى نحو 12 عاماً مضت، فضلاً عن عوائد إستثمارات تقدر بنحو 220 مليار دولار، وما يؤكد صحة هذه الفرضية أن ميسي ظل محتفظاً بـ"البشت" طيلة مشهد الإحتفال بالكأس مع منتخب بلاده، ولم يقم بنزعه كما يتوقع أو يفترض بعد ثوان من إرتدائه في حال لم يكن هناك إتفاق على ذلك.
الموضوعية تقتضي القول أن اللقطة لم يغب عنها الذكاء ومثلت رمزاً لاستخدام فنون العلاقات العامة السياسية، فرغم كل الإنتقادات وبغض النظر عن صحتها ومبرراتها ودوافعها فإن المشهد سيبقي تاريخياً بامتياز، ولن تظهر صورة لاحتفال بتسلم كأس العالم 2022 من دون "البشت" الخليجي الذي وضعه أمير قطر على أكتاف قائد المنتخب الأرجنتيني.
إستثمرت قطر اللحظة الأهم في بطولة يتابعها نحو نصف سكان العالم، أي أكثر من ثلاثة مليارات ونصف لتوثيق بطولتها وهويتها وثقافتها في سجلات الوعي الجمعي الإنساني وليس في سجلات "الفيفا" فقط، حيث ربطت نفسها بالذاكرة التاريخية والإنسانية للبطولة واستطاعت ـ من خلال هذه اللقطة ـ أن تضفي لمسة قطرية خليجية عربية على مشهد إنتصار منتخب يشجعه مئات الملايين حول العالم، ونجم يحظى بحب غالبية مشجعي كرة القدم العالمية، وبالتالي فمهما كانت الإنتقادات أو حجم الجدل على "الصورة" ودوافعها وما وراء الكواليس في ترتيبها، فإنها تبقى صورة للتاريخ لاسيما أنها ارتبطت بلاعب أسطورة، كانت هذه البطولة الأولى له في تاريخ مشاركاته في خمسة نسخ من "كأس العالم" ابتداء من عام 2006.
انتهت البطولة وبقيت صورة "بشت" ميسي كأحد أشهر من ارتدوا هذا الزي الخليجي التراثي العريق من غير أهله، وتبقى مثل هذه اللقطات محطات بارزة في الذاكرة والتاريخ الإنساني والرياضي سواء إتفقنا معها أو إختلفنا.