لاشك أن مواجهة انتشار الارهاب في العالم العربي والاسلامي يتطلب مواجهات وخطط على أمدية زمنية متعددة ونطاقات جغرافية مختلفة، كما يتطلب أيضا ضرورة وضع العوامل الثانوية المغذية للظاهرة الارهابية خشية أن تذهب هذه الجهود سدى في حال تجاهل دور وتأثير هذه العوامل في رفد التنظيمات الارهابية بمقومات الاستمرار والحياة.
من بين هذه العوامل المغذية، هذا العدد الهائل من اللاجئين في مناطق شتى من العالم العربي ، فرغم أن عدد اللاجئين عالميا قد بلغ نحو 50 مليون لاجىء بحسب احصاءات المؤسسات الدولية المتخصصة، فإن اللافت للنظر أن أغلبهم من دول عربية وإسلامية، والأكثر غرابة أن اللاجئين السوريين قد باتوا في صدارة قائمة اللاجئين عالميا برقم يبلغ نحو أربع ملايين لاجىء ينتشرون في دول عدة في مقدمتها لبنان والأردن وتركيا ومصر ودول الخليج وغيرها من دول العالم.
عندما يكون نحو أربع ملايين لاجىء سوري يعانون أسوأ ظروف الحياة، فإن الأمر يبدو بحاجة إلى اهتمام اقليمي ودولي مكثف ليس فقط لتوفير سبل الحياة الكريمة لهذا الكم الهائل من البشر ولكن لأن الشواهد تؤكد أن عنصر الاستقرار سيظل غائب عن غالبيتهم ممن سيواصلون حياة الملاجىء على الحدود السورية مع دول الجوار ربما لفترة لا تقل عن عام على الأقل من الآن.
الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها سكان الملاجىء يمكن أن تمثل بيئة حاضنة لأي فكر متطرف أو متشدد، خصوصا في ظل تراجع الاهتمام بمعاناة هؤلاء وتحولهم إلى رقم مؤجل ضمن أولويات المجتمع الدولي، وفي ظل الجمود الذي أصبح يمثل عنوانا عريضا لقضايا تكاد تتحول إلى أزمات مزمنة مثل الأزمة السورية وغيرها.
لا يستطيع أحد أن يقطع بامكانية تحصين سكان الملاجىء من الشباب والمراهقين ضد الانضمام إلى تنظيمات الارهاب التي تجد فيهم رافدا حيويا لها بالقوة البشرية التي تحتاجها لمواصلة العنف وسفك الدماء، وتستغل شحنات الغضب والكراهية التي قد تموج في صدور غالبية هؤلاء الشباب من أجل تجنيدهم واستقطابهم للانضمام إلى تنظيمات الارهاب.
وربما يزداد الأمر خطورة في حال توافر الأموال لدى تنظيمات الارهاب من أجل السعي لاغراء شريحة من اللاجئين للانضمام إلى صفوف التنظيم، والجميع يدرك ان تنظيم داعش يراهن بشكل كبير على امتلاكه الأموال التي يغرر بها عدد كبير من الشباب وذلك نتيجة لحصيلة بيع التنظيم النفط خلسة للمهربين من الآبار والمصافي النفطية التي تقع تحت سيطرته، فضلا عن دخل التنظيم من إيراد عمليات الخطف والسلب والنهب التي تقوم بها عناصره ضد سكان المناطق والمدن التي يسيطر عليها.
ما أود قوله ليس اتهاما لسكان الملاجىء ولا هو بطبيعة الحال محاولة للدفع باتجاه التضييق عليهم أمنيا، إذ يكفي مايعانونه جراء قسوة ظروف الحياة، كما أن من الضروري فهم الحقيقة القائلة بأن المشكلة ليست في هؤلاء اللاجئين بل في ظروفهم الحياتية القاسية، ولذا ينبغي الانتباه لظروف الحياة التي قد تدفع البعض منهم إلى أن يسلك طرق وعرة لجلب الأموال او الانضمام إلى تنظيمات الارهاب او العمل لحسابها بأي شكل من الأشكال كسبيل لتوفير لقمة العيش لأسرته. وبطبيعة الحال، لا أحد يتمنى حدوث هذا السيناريو السىء، ولكن لا ينبغي أيضا التزام الصمت حيال معاناة هؤلاء أو تجاهل معاناتهم أو تأجيلها ضمن أولويات الدول والمؤسسات المتخصصة اقليميا ودوليا.
بموازاة البحث عن حلول للازمة السورية، على الصعد العسكرية والسياسية، ينبغي أن تحتل قضية اللاجئين السوريين موقع الصدارة على أجندة النقاشات الاقليمية والدولية، كي يشعر مئات الالاف من الشباب والمراهقين والاطفال السوريين أن اشقائهم يساندونهم ويدعمونهم وأن الجهود المبذوله لمكافحة التطرف والارهاب واستئصال تنظيم داعش، هذه الجهود توجه أيضا لدعمهم وانتشالهم من الاوضاع البائسة والسعي نحو عودتهم في أقرب وقت ممكن إلى حياتهم الطبيعية في مدنهم ومنازلهم.
أي جهد يبذل في تحسين ظروف معيشة اللاجئين السوريين او العراقيين او الفلسطينيين أو غيرهم من اللاجئين هو جهد يصب في خانة تحسين العقول ضد الفكر الارهابي، وتفويت الفرصة على تنظيمات الارهاب التي تسعى إلى تحويل هذه الملاجىء إلى مفارخ للارهابيين.
شؤون عربية
"مفارخ" الارهاب
- الزيارات: 1021