الرسالة التي يمكن استخلاصها من موقف القيادة الإماراتية في قضية 'بوعسكور' أن الإمارات لا تكن سوى الخير والود للأشقاء في دول مجلس التعاون وأنها تسعى لمصلحة الشعوب.
رشد السياسة الخارجية الإماراتية ضارب في عمق التاريخ وليس وليد اللحظة، فالإمارات بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أدركت في عام 1973، وتحديدا في حرب السادس من أكتوبر أهمية أن تعاضد الموقفين العربي والسوري، وأهمية أن تنتصر لقوميتها وعروبتها، ولا تزال كلمات الشيخ زايد، “النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي” تتردد في الآذان وأروقة البحث كمثال على أصالة قائد الدولة ومؤسسها، ومن غرس فيها هذه القيم العروبية الأصيلة.
وعندما قررت الإمارات الوقوف إلى جانب مصر في محنتها التي أعقبت استيلاء جماعة الإخوان المسلمين على السلطة عام 2012، وسعت إلى التحكم في توجهات الدولة المصرية خارجيا و”أخونتها” داخليا، وإقصاء مصر عن دورها التاريخي القومي والعربي، فإن الموقف الاماراتي لم يكن ينفصل، وقتذاك، عن قناعات راسخة لدى القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بأن مصر هي قلب العروبة النابض، وأنه إذا مرضت مصر فالعرب كلهم طريحو الفراش، ومن هنا كانت والمساندة الإماراتية القوية لمصر منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
هذه هي الإمارات التي لم يفهمها الإخوان المسلمون وأتباعهم، واعتقدوا أن دعم الإمارات، قيادة وشعبا، للأشقاء في مصر طمعا في مكسب استثماري أو سعيا لربح سياسي، وهكذا حال من لا يقرأ التاريخ ولا يعرف قدر الدول والشعوب والقادة، يعيش في أوهامه وخيالاته المريضة.
الواقع يقول أن هذه القناعات الراسخة في سياسات دولة الإمارات تتجذر يوما بعد آخر، وآخرها قرار الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، بشأن الإفراج عن اثنين من المواطنين القطريين رغم إدانتهما قضائيا بتهمة الإساءة إلى رموز دولة الإمارات، ضمن ما يعرف إعلاميا بقضية “بوعسكور”. ونص قرار الإفراج على أن ذلك جاء “تأكيدا على حرص الإمارات على توطيد العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين”، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية.
توصيفات عدة انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لقرار العفو الرئاسي الذي أصدره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بحق اثنين من مواطني قطر، حيث اعتبره مغردون “عفوا عند المقدرة”، ورأى فيه آخرون “لفتة إنسانية نبيلة”، وهي توصيفات مقدرة وصائبة ولكن قرار العفو لا يخلو من أبعاد أعمق من ذلك بمراحل، فالمنطقة العربية بشكل عام، ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص تواجه تحديات بالغة الصعوبة وتمر بمرحلة تاريخية غير مسبوقة لجهة عظم التهديدات الإستراتيجية التي تواجهها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ومن ثم فإن الرسالة الأبلغ في قرار العفو الرئاسي هي الاصطفاف وتعزيز اللحمة الخليجية في مواجهة هذه الأخطار المصيرية، فعلاقات دول مجلس التعاون أحوج ما تكون بالفعل إلى عوامل التقريب والتمتين، ونبذ الفتن وأجواء الشك لسبب أو لآخر.
هذه هي الإمارات تعلو فوق المواقف الحماسية ولا تتحصن بثوابتها ورصانة مواقفها وحكمة قيادتها في أوقات الشدائد، فالقرار في أحد أبعاده ترجمة لفكرة المواطنة الخليجية، ووحدة الشعوب في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث جاء العفو الرئاسي معبرا عن استشعار رئيس الدولة مد غطاء التسامح والعفو إلى من أدانتهم المحكمة من مواطني قطر الشقيقة، إعمالا لحقوق الأخوة، وإعلاء لمصالح الشعوب، وتحقيقا لمبادئ التسامح التي تحكم توجهات قيادتنا الرشيدة حفظها الله.
الرسالة التي يمكن استخلاصها من موقف القيادة الاماراتية في قضية “بوعسكور” أن الإماراتية لا تكن سوى الخير والود تجاه للأشقاء في دول مجلس التعاون وأنها تسعى إلى مصلحة الشعوب، وأن ما تعلنه من ثوابت ومبادئ في خطابها السياسي تترجمه على أرض الواقع تصرفات تنبئ بأن دولة زايد الخير ستظل دوما قلعة العروبة وخط الدفاع الأساسي في الذود عن قيم الأصالة والشهامة العربية، في وقت باتت فيه المصالح سلعة تباع وتشترى من دون أي اعتبار لمصالح الشعوب والقيم والمبادئ العليا.