القانون يكرس دور دولة الإمارات في تعزيز ثقافة الاعتدال والتعايش على الصعيدين الإقليمي والدولي بحكم وضعيتها كنموذج ملهم ينبذ ممارسات التطرف والعنف والإرهاب.
“النموذج الملهم” هو المفهوم الذي استقرت عنده الأدبيات السياسية المعاصرة في التعبير عن التطور النوعي الذي شهدته، ولا تزال، التجربة التنموية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا النموذج يمتلك دعائم ومقومات متنوعة في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والصناعة والأداء الحكومي والبنى التحتية إلخ، من قطاعات العمل والإنتاج والفكر والإبداع، الذي يمثل شعاراً جاداً وبرامج عمل ألزمت بها الدولة نفسها، منذ أن باتت تسعى إلى تبوء المرتبة الأولى عالميا في مجالات أداء حكومية مختلفة في غضون السنوات المقبلة.
هذا النموذج يتطلب بدوره عملاً ابتكارياً في مجالات حياتية شتى كي يحافظ على بريقه ووهجه، وكي يمكن لرسالته التنموية أن تواصل التمدد والدفع باتجاه إيجابي في مواجهة شحنات هائلة من الأفكار السلبية المدمرة التي تضخها قوى الشر من تنظيمات وجماعات الإرهاب والتطرف والفكر الضال في مناطق شتى من العالم العربي والإسلامي.
من أبرز سمات “نمذجة” الدول والمجتمعات أن يتسم الفكر السياسي والإداري والتخطيطي بالإبداع والاستباقية وقراءة متغيرات الواقع بشكل ابتكاري، ويمتلك قدراً كبيراً من الخيال المنتج الداعم الذي يوفر وقوداً مستمراً لتحليق النموذج في فضاءات التنافس الإقليمي والدولي. على خلفية ما سبق أستطيع أن أفهم وأفسر عبقرية النموذج الإماراتي الملهم القادر على توليد الابداعات في مجالات التشريع بالمقدرة والفاعلية ذاتها الذي يمتلكها في مجالات الصناعة والاقتصاد، وأحدث البراهين على ذلك المرسوم بقانون رقم 2 لعام 2015، الذي أصدره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
هذا القانون هو في حقيقة الأمر بمنزلة تشريع استباقي حضاري يدعم ركائز الأمن والاستقرار الاجتماعي، ويبني حائط صد قانونيا متينا ضد الأفكار المدمرة الهدامة، التي تمثل مداخل شيطانية تقوض الأمن المجتمعي في دول عدة من العالم، لاسيما في منطقتنا العربية، حيث يحظر هذا القانون الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة، أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، كما يجرم كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات من خلال نشره على شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أو المواقع الإلكترونية أو المواد الصناعية أو وسائل تقنية المعلومات أو أي وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية وذلك بمختلف طرق التعبير كالقول أوالكتابة أو الرسم، كما يجرم القانون التعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي شكل من الأشكال إلى جانب تجريم التخريب أو الإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة أو المقابر.
إحدى نقاط القوة والمنعة في التشريع الإماراتي الجديد أن يكون العقاب موازياً للجرم أو الجريمة، حتى لا تكون القوانين والتشريعات مجرد مظلات شكلية تتدثر بها المجتمعات من دون تحقيق مردود يذكر، ومن ثم فإن العقوبات المشددة على هذه الجرائم المجتمعية الخطرة تكمل أهداف القانون ومبتغاه الحقيقي، وهي توفير أقصى درجة ممكنة من الحصانة القانونية للمجتمعات كي تعيش بأمن وأمان، لذا نلحظ أن القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن مئتين وخمسين ألف درهم، ولا تتجاوز مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب فعلا من الأفعال المنصوص عليها أعلاه بإحدى طرق التعبير.
ولم يكتف القانون بذلك، بل جاء وافياً محاصراً لكل أشكال وأنماط التحريض والكراهية ونشر الفتن وفق رؤى ومنطلقات مذهبية ودينية وطائفية، حيث تضمن سلسلة من الأحكام المشددة التي تهدف إلى مكافحة كافة الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
هذا القانون لم يصدر لسد نقص تشريعي في منظومة القوانين والتشريعات الإماراتية فقط، بل جاء استجابة وقائية رادعة لتحديدات محدقة بركائز الأمن والاستقرار الاجتماعي في بيئة إقليمية تموج بالفتن والاضطرابات المذهبية والطائفية، حتى وإن لم تكن هذه التحديات والتهديدات تلح في الوقت الراهن على أجندة صانع القرار الإماراتي، ولكنه بمثابة إغلاق تشريعي استباقي لبوابة الفتن والمؤامرات التي يمكن أن تتسلل منها تنظيمات الإرهاب وجماعات تصدير الفكر المتطرف إلى الدول والمجتمعات العربية والإسلامية.
لاشك أن انتشار جرائم التحريض والكراهية والتمييز يعد أحد الأعراض المرضية التي تتفشى في كثير من المجتمعات جراء انتشار وسائل الإعلام الجديد، التي جعلت تعمل دون ضوابط قانونية وتشريعية، لذا فإن هذا القانون يضمن حقوق الأفراد قبل المجتمعات ويكرس بيئة متصالحة لا مكان فيها للأحقاد القائمة على العرق والدين والمذهب والطائفة.
لا أظن أن هناك مجتمعات بحاجة إلى مثل هذه البدائل التشريعية أكثر من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تتعايش فيها أديان وجنسيات وعرقيات تنتمي إلى مختلف مناطق العالم، وقد لا يكون هناك درع واق ضد أي فتن محتملة بين سكان هذه الدول وغرس ثقافة التسامح وتكريس مبادئ التعايش المشترك بينهم أكثر من قواعد قانونية عادلة وصارمة تجعل أي صاحب فكر منحرف يفكر، غير مرة، قبل أن يقدم على ارتكاب أي جريمة من جرائم الكراهية والتمييز والتعصب الديني والطائفي.