كثيرة هي الخطط والاستراتيجيات التي ترسم في مختلف دول العالم ومناطقه لمواجهة الفكر المتطرف، وتعمل هذه الخطط على أمدية زمنية مختلفة، وهناك جدل تقليدي حول فعالية بعضها وجدواه في مكافحة الارهاب والتطرف واستئصال هذا الفكر البغيض من جذوره المجتمعية، ولكن يبقى العمل الجاد والحقيقي أحد أقوى وأهم الممرات التي تشق طريقاً للمستقبل، وتمهد لفكرة التعايش وقبول الآخر من دون تنظير أو جدل فلسفي قد يحيد بالأنظار عن أهدافها ومبتغاها الحقيقي.
ما أقصده هنا أن العمل والأفكار والمشروعات التي تستهدف مصالح الشعوب وتصل إليها مباشرة من دون هدر للوقت هي السبيل نحو الشرعية الحقيقية للدول والحكومات والقادة والرؤساء والزعماء. فالجاهلون بعلم السياسة من أتباع الجماعات المتطرفة وغيرهم ممن يتشبسون بالفكرة القائلة بأن مصدر الشرعية الوحيد هو صندوق الانتخابات، وهذه حقيقة إلى حد ما ولكنها لا تخلو من التباسات، فالحقيقة المؤكدة والثابتة في العالم أجمع أن الصندوقلا يوفر بالمقابل صكاً على بياض لحكم الدول والشعوب بتفويض غير قابل للنقض أو الانتهاء، بل مرهون بتنفيذ إرادة الشعوب التي تطمح إلى البناء وتحلم بالتنمية وتفتح عيونها صباحا حالمة برغيف خبز نظيف وشربة ماء نقية ووظيفة تحفظ ماء الوجه من ذل السؤال عفانا وعافاكم الله جميعاً. وهذا الأمر تجاهلته الجماعة الارهابية حين قفزت إلى السلطة وتربعت على كرسي الحكم في لحظة سيولة تاريخية وارتباك للوعي الجمعي، والأغرب من ذلك أنها لا تزال تصر على نهجها الجامد، وتتحدث بطريقة تثير الرثاء على هذا القدر من الغباء السياسي عن شرعية سياسية مزعومة حتى الآن رغم وجود شرعية سياسية جديدة تفوق تلك الشرعية المزعومة بمراحل سواء من المعدلات الرقمية أو الحداثة الزمنية.
أن أنتخبك لا يعني أن تتصور أن بإمكانك أن تطعمني شعارات جوفاء وخطابات رنانة! ولا يعني أن تتخيل أن ادعائك التدين كفيل بأن اصمت على سرقة أحلامي واغتيال إرادتي ووأد آمالي في مستقبل أفضل لأولادي، وهذا ما غاب عن خيال مريض لهذه الفئة الباغية.
قد يقول قائل لماذا تتذكر هذه الأفكار التعيسة ومصر الشقيقة بصدد مناسبة وطنية سعيدة وهي الاحتفال بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، ولهؤلاء أقول أنني تذكرت هذه التجربة البغيضة لأنها لا تريد أن تغادرنا ولا يفكر أصحابها، ولو لوهلة بسيطة، في مراجعة ذواتهم ليس من أجل وطنهم بل من أجل أنفسهم، فالأوطان تبقى شامخة ولا تتأثر بمؤامرات الصغار، ويزداد هذا الأمر قوة ورسوخا في حالات أوطان ضاربة في عمق التاريخ والحضارة مثل مصر الشقيقة.
يصر هؤلاء البغاة على تعكير صفو مناسبة وطنية يريد ما يناهز التسعون مليون مصري الاحتفال بها، ولن يفلحوا إن شاء الله في ذلك، لأن مصر التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز آمنة مطمئنة بإذن الله، ولكن تبقى النوايا مؤشر على خواء النفوس من الخير ونقاء السريرة الذي يمثل صفة لازمة لأبناء مصر الطيبين، بل إن الأمر لا يتعلق بالنوايا بل هناك تهديدات صريحة لأتباع الجماعة الارهابية وحلفائها من الداعشيين وغيرهم لاستهداف احتفالات شعب مصر بيوم وطني من أيامه المشهودة.
عندما يفتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مشروع قناة السويس الجديدة، فهو لا يسطر تاريخ ذاتي له في قيادة هذا البلد العريق، بل يكتب تاريخ جديد لمصر الشقيقة، ويفتح ممرات آمنة لمستقبل واعد لأجيال تحلم بمصر الجديدة لشعب يستحق الأفضل ويستحق حياة كريمة تليق به وبتاريخه وأبنائه المخلصين.
قناة السويس الجديدة ليست مجرد مشروع ضخم نجح المصريون في تنفيذه، بل هو هدية مصر للعالم وبرهان قوي جديد على عمق إرادة هذا الشعب وقدرته على إنجاز ما يريد، ففي غضون عام فقط تحول الحلم إلى حقيقة وتجسدت إرادة شعب مصر على قطعة من أغلى اراضيها.
هذا الاحتفال هو تدشين لحقبة جديدة في تاريخ مصر وليس مجرد تدشين لمشروع قناة السويس الجديدة، وهو روح وطنية جديدة يطلقها هذا المشروع الكبير في دماء وشرايين مصر الغالية، كي تنهض من كبوتها وتستفيق وتعلن للعالم أجمع أنها قادرة على تضميد جراحها ولملمة شتاتها والتخلص من عبث فئة باغية من أبنائها تصورت أن امكانها اختطاف مسار أمة بأكملها وطمس ملامح تاريخ ضارب في عمق الحضارات.
فلتحتفل مصر وشعبها وليحتفل أشقائها العرب ومحبوها في العالم أجمع معها بهذا الانجاز التاريخي الكبير، فالاحتفال حق للمصريين الذين يتشوقون للحظة فرح وبارقة أمل تمنحهم طاقة جديدة في مواجهة حاضر مفعم بالتحديات، ومستقبل ندرك جميعاً أن مصر العظيمة وشعبها العريق قادرون على صناعته بما يليق بهذا الشعب الشقيق.