في بيئة متغيرة تحفل بالكثير من مصادر التهديد الإرهابي، يصبح الفعل الأمني الوقائي بمنزلة حصانة للأمن والاستقرار، وتقليص لفرص إنشاء بيئة حاضنة للفكر المتطرف.
تعد دولة الإمارات العربية المتحدة من ضمن دول قلائل انتبهت مبكرا إلى خطر الإرهاب والفكر المتطرف منذ عقود مضت، ويخطئ من يظن أن الإمارات استشعرت هذا الخطر عقب الأحداث التي عصفت بالعديد من الدول العربية منذ عام 2011 حتى الآن، والمؤكد أن الرؤية الوقائية قد لعبت دورا بارزا في حماية الأمن الوطني الإماراتي وأسهمت في إجهاض خطط جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية للنيل من أمن الدولة واستقرارها.
وعندما تكشف الأجهزة الرسمية في الإمارات عن القبض على تنظيم إرهابي يضم نحو أربعين شخصا وإحالتهم إلى النيابة العامة بتهمة تأسيس وإدارة جماعة إرهابية داخل الدولة بهدف القيام بالتخريب وتعريض أمن الدولة إلى الخطر، فإن هذا الدليل يؤكد صحة النهج الذي تتبناه الدولة في العمل على مسارات علاجية ووقائية متوازية ومتزامنة، فالقناعة راسخة بخطورة تسلل الفكر الإرهابي إلى الدول والمجتمعات، ومن هنا يتم تعزيز المنظومات القانونية واستنفار الأجهزة الأمنية ووضع الخطط الوقائية كي يمكن التعامل بسرعة وفاعلية مع المؤامرات التي تستهدف الدولة وشعبها.
كنت دوما من أنصار الفكرة القائلة بأن الإرهاب لا يستبعد أحدا وليست هناك دولة بمأمن من خطره أو على يقين بأنها خارج نطاق استهداف جماعات الإرهاب، وما كشف هذه المؤامرة الجديدة سوى دليل إضافي على ذلك، حيث يدعي البعض أن دولة الإمارات لا تعاني مشكلة الإرهاب ولا تواجه خطرا آنيا على هذا الصعيد ثم يستغربون، عن جهل أو خبث، موقف الدولة المتشدد حيال التطرف والإرهاب وجماعاته في أي منطقة من العالم، دون أن يدرك هؤلاء أن مستوى الأمن والاستقرار الذي يتمتع به شعب الإمارات والمقيمون على أراضيها هو أحد مخرجات الجهود التي تبذلها سلطات الدولة على المستويات كافة، وبشكل استباقي وعلاجي معا، وليس لأن جماعات الإرهاب تقصي الإمارات من نطاقات نشاطها الإجرامي المدان.
في بيئة عالمية وإقليمية متغيرة تحفل بالكثير من مصادر التهديد الإرهابي، يصبح الفعل الأمني والقانوني الوقائي بمنزلة حصانة للأمن والاستقرار الداخلي، وعزل لمصادر التهديد ومسبباته وتقليص لفرص إنشاء بيئة حاضنة للفكر المتطرف إلى أقصى حد ممكن، ومن هنا فإن إستراتيجية الإمارات لمكافحة الإرهاب تعمل على مسارات قانونية، أمنية، إعلامية، دينية، ثقافية، عسكرية، وهذا الأمر يترجم الوعي الخططي والاستراتيجي الذي تتمتع به القيادة الرشيدة وعلى رأسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
الإعلان مؤخرا عن اعتقال الخلية الإرهابية المكونة من أربعين شخصا وتقديمهم للمحاكمة هو بحد ذاته أحد مقومات المصداقية والشفافية التي تتسم بها الجهود الإماراتية في مكافحة الإرهاب، فالكشف عن المؤامرات التي تحاك ضد أمن الدولة هو جزء من المكاشفة السياسية التي تؤكد جدية الدولة في ضمان أمن شعبها، كما أنه يعكس خطر الإرهاب الذي يتلون ويتخفى وراء قناعات مختلفة، فتارة تظهر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ويتم التعامل مع خطرها أمنيا وقانونيا، ثم نجد هذا الخطر يتخفى وراء لافتة جماعة مثل تلك التي تم اعتقال أفرادها مؤخرا، والتي ظهرت باسم جماعة “شباب المنارة”، وهذا التلون يستدعي مضاعفة الجهود من أجل تتبع الخيوط التي يمكن أن تقود إلى مؤامرات من هذا النوع.
ما يستوجب اليقظة الأمنية أيضا أن دولة الإمارات باتت طرفا إقليميا ودوليا فاعلا في جهود مكافحة الإرهاب، بل إن مواقفها الثابتة ضد هذه الظاهرة البشعة المسيئة للدين والحضارة والقيم الإسلامية تجعلها في مربع العداء والمواجهة المباشرة مع أصحاب أي فكر إرهابي ضال أو متطرف، لا سيما أن هذه الجماعات تتصور وهما أن الفوضى الإقليمية العارمة تمثل بالنسبة لها فرصة تاريخية سانحة للانقضاض على دول عدة في العالم العربي وتطبيق ما يسمى بدولة الخلافة، سواء عبر ولايات مزعومة تبايع البغدادي زعيم داعش وفكره المنحرف، أو عبر استنساخ هذا النموذج المزعوم في إقامة خلافة جديدة.
هذه المؤامرات الخبيثة تؤكد الفكرة القائلة بضرورة الحذر من أفاعي الإرهاب وبالدرجة ذاتها تؤكد أهمية التشريعات القانونية التي صدرت مؤخرا، ولا سيما قانون مكافحة التمييز والتكفير والكراهية، باعتبار هذه المنظومة القانونية بنية تحتية ضرورية للتعامل مع خطر التطرف والإرهاب، وتكريس ثقافة التسامح والاعتدال وقبول الآخر.