لا يعرف عمق العلاقات الاماراتية ـ المصرية من لم يقرأ مسيرة تطور هذه العلاقات التاريخية منذ تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة على يد المغفور له
بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ كما لا يعرف مدى ترابط الشعبين الشقيقين من لم يتابع عن قرب ردود الفعل الشعبية قبل وبعد مباراة كرة القدم التى جرت مؤخراً بمدينة العين بين قطبى الكرة المصرية، الأهلى والزمالك، فى بطولة كأس السوبر المصري.
تاريخ العلاقات الاماراتية ـ المصرية، أو المصرية ـ الاماراتية، لم يبدأ ـ كما يعتقد البعض ـ إبان أحداث عام 2011 وما تلاها من تفاعلات سياسية أسهمت فى إظهار المعدن الحقيقى لهذه العلاقات العربية الأصيلة، بل إن علاقات البلدين قد مرت بمحطات ومنعطفات تاريخية عديدة أسهمت فى تمتين دعائمها وتقوية أواصرها وركائزها، وكان من أبرز تلك المحطات الموقف التاريخى للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد حين قرر ـ طيب الله ثراه ـ تقديم كافة أنواع الدعم لمصر فى حربها ضد إسرائيل فى السادس من أكتوبر عام 1973، وقال مقولته الشهيرة «النفط العربى ليس بأغلى من الدم العربي»، وهو موقف تاريخى بكل المعايير والمقاييس ليس لأنه كان بمنزلة نقطة تحول هائلة فى أسواق الطاقة العالمية، ولكن لأن هذا الموقف البطولى صدر من قيادة تاريخية لدولة لم يكن قد مر على تأسيسها سوى عامين فقط، أى أنها لم تكن قد بلغت بعد من تماسك البناء ما يؤهلها لتحدى القوى الدولية الكبرى الداعمة لإسرائيل وحرمانها من أخطر شرايينها الاقتصادية بقطع النفط عنها، وما ينطوى عليه ذلك من مجازفات استراتيجية كان يمكن أن تعرض دولة الامارات العربية المتحدة الوليدة وقتذاك إلى ردة فعل غربية انتقامية، ولكن القائد العربى الأصيل ـ زايد الخير ـ لم يأبه لهذه الحسابات، وانحاز إلى عروبته داعما مصر، التى كان حبها يسرى فى كيانه ـ طيب الله ثراه ـ مسرى الدماء فى العروق. وانطلاقاً من هذا الموقف، توالت المواقف القومية الأصيلة من الجانبين، وتعمقت وشائج القربى بين البلدين الشقيقين مع كل موقف من هذه المواقف.
مصر فى قلب الامارات والامارات فى قلب مصر، هذه هى الرسالة التى حملتها كل المواقف التى جمعت القيادتين والشعبين، ففى أعقاب ماشهدته الشقيقة الكبرى مصر من أحداث واضطرابات عقب تولى جماعة «الاخوان المسلمين» السلطة فى البلاد عام 2012، وتدهور الأمور ثم قيام ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، وإطاحة حكم الجماعة وتحقيق الأمن والاستقرار فى مصر، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة موقفا إماراتيا قاطعاً مفاده أنه «لو كانت هناك لقمة حاف لاقتسمتها الامارات مع الأشقاء فى مصر» فى تعبير لا يفطن إلى عمق مغزاه سوى من يلم بالثقافة الشعبية المصرية الأصيلة، التى تدرك يقيناً مغزى «اللقمة الحاف» ودلالة إلمام سموه بهذا المغزى اللغوى والثقافى العميق فى تواصله مع الأشقاء فى مصر.
على المستوى الشعبي، يدرك كل متابع لمسار العلاقات العربية ـ العربية أن الشعبين الاماراتى والمصرى تربطهما وشائج قوية وأواصر متينة لا انفصام لها إن شاء الله، وقد تجلى ذلك فى مشاهد ومواقف عديدة، أحدثها على الصعيد الرياضي، حين احتضنت مدينة العين مباراة كأس السوبر المصرى بين فريقى الأهلى والزمالك خلال الأسابيع الماضية، وكانت ردود الفعل الشعبية والجماهيرية فى المدن الاماراتية والمصرية خير شاهد على عمق الود ومشاعر الأخوة التى يحتفظ بها كل شعب للآخر، وقد أثبتت هذه المباراة أن الدبلوماسية العربية ـ العربية تنتظر كثيرا من الجهود على صعد الرياضة والثقافة والفنون كى تتعزز دعائمها وتتقارب خطوطها بما يعبر عن تطلعات الشعوب العربية الشقيقة ورغبتها فى الاصطفاف والتوحد وراء قياداتها من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار العربي.
مصر «وصية» المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ستظل فى قلب الامارات قيادة وشعباً، والامارات فى قلب المصريين جميعاً، نقف على ذلك بأنفسنا ـ كمواطنين إماراتيين ـ ونلمسه فى كل موقف يجمعنا بالاشقاء فى مصر الحبيبة، ولذا فإنه عندما تستقبل دولة الامارات العربية المتحدة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى زيارته الرسمية لأبوظبي، فإن علاقات البلدين الشقيقين ستكون على موعد جديد مع خطوة نوعية إضافية لتبيثت دعائم هذه العلاقات وتقوية بنيانها بما فيه مصلحة الشعبين وبما يضمن الأمن والاستقرار للدول العربية جميعاً.
ولاشك أن قيادتى الامارات ومصر تتحملان فى المرحلة الراهنة مسئولية تاريخية كبيرة حيال انقاذ ما تبقى من الكيان العربى من التفتت والتمزق، والحفاظ على الشعوب العربية من مصير مجهول ينتظرها فى سورية والعراق واليمن وليبيا ومناطق التوتر والأزمات الأخرى فى عالمنا العربي، لذا تكتسب زيارة الرئيس السيسى إلى الامارات أهمية استثنائية فى ظل ظروف المشهد العربى المليء بالأزمات والتزام البلدين بوحدة المصير العربى وأهمية الحفاظ على الأمن القومى العربى من الخروقات والثغرات والتحديات والتهديدات بالغة الخطورة، التى تنخر فى جداره الجيوسياسى وتسببت بالفعل فى وضع بعض دوله على حافة التفكك والتقسيم، فضلا عن تشريد ملايين العرب وتحويلهم إلى لاجئين فى بلاد العالم كافة.
تؤمن دولة الامارات العربية المتحدة بأن الأمن العربى كل لا يتجزأ، وقد أكد ذلك مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث حرص سموه على تأكيد دعم دولة الامارات العربية المتحدة لكافة الجهود الدولية التى تستهدف التصدى للتنظيمات الارهابية، وفى مقدمتها تنظيم «داعش» الذى يهدد الأمن والسلم الاقليمي، مشيراً سموه إلى أن مكافحة التطرف والارهاب ومجابهة الاعمال الاجرامية التى تتناقض مع القيم الإنسانية والأخلاقية، تمثل أساساً مهماً لتعايش شعوب المنطقة والعالم. وهذه الرؤية الاستراتيجية لمداخل تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمى هى ذات الرؤية الاستراتيجية التى تتبناها القيادة المصرية، حيث دفعت الشقيقة مصر غالياً ثمن الخطط والمؤامرات التى كانت تدبرها هذه التنظيمات والجماعات، وهاهى مصر تخرج من كبوتها تدريجياً لتعود إلى مقعد القيادة فى عالمها العربى وتمارس دورها وتشغل الفراغ الذى نجم عن غيابها عن محيطها العربى وانشغالها بالداخل. والمؤكد أن تكاتف قيادتى مصر والامارات، ومعهما الشقيقة المملكة العربية السعودية، يمثل طوق الانقاذ الوحيد المتاح لما تبقى من الأمن القومى العربي، وفى رحلة انقاذ المستقبل هذه ليست هناك أولوية تفوق أولوية التعاون والتماسك بين أضلاع هذا المثلث الاستراتيجي، الذى بات طوق الانقاذ الذى يتعلق به عشرات الملايين فى الدول العربية كافة.
علاقات مصر والامارات، أو الامارات ومصر، هى نموذج حقيقى للعلاقات بين دولتين شقيقتين، وأنشودة شراكة عربية أصيلة، ولتسمح لى روح الرائع الراحل يوسف شاهين أن أصفها بأنها «حدوتة عربية».