لاشك أن العلاقات المصرية- السعودية تعد ركيزة حيوية للأمن القومي العربي في ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات وفوضى ومحاولات للتفتيت والتقسيم؛ فأهمية هذه العلاقات قد تضاعفت أكثر من ذي قبل في ضوء الواقع العربي الراهن،
الذي يؤكد مدى الحاح التعاون والتماسك العربي في مواجهة لحظة تاريخية غير مسبوقة.
يشهد التاريخ العربي أن مصر والسعودية، هما ضلعان مركزيان للجسد العربي، وتتزايد أهميتهما في ظل غياب دول عربية مركزية أخرى مثل العراق وسوريا. ورغم ما يثار بشأن الفينة والأخرى من مزاعم وتكهنات حول خلافات وتباينات في المواقف والمصالح بين الشقيقتين العربيتين، فإن الحقيقة المؤكدة وسط ركام الأحداث المتسارعة إقليميًا، أن مصر والسعودية هما صمام الأمان لما تبقى من الأمن القومي العربي.
في ضوء ماسبق، يمكن فهم أبعاد وأهمية زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، حيث تعيد هذه الزيارة ترتيب المواقف والآراء ووجهات النظر المصرية-السعودية، لاسيما أن توقيت الزيارة يمكن أن يمثل العنصر الأهم فيها، حيث تأتي قبيل انعقاد محادثات الكويت بين الحكومة الشرعية في اليمن ووفد المتمردين والمخلوع صالح، كما تأتي أيضًا في توقيت حيوي بالنسبة للأزمة السورية، ناهيك عن ملف الإرهاب الداعشي المتفاقم، الذي يحتل صدارة التحديات والتهديدات الإستراتيجية لمعظم دولنا العربية.
وبالتالي، فإن المزاعم والجدل العبثي حول صراع أدوار محتدم بين الدولتين الشقيقتين، مصر والسعودية، يبدو غير منطقي، لاسيما أن هناك قيادتين تتمتعان بحكمة ورشادة سياسية قادرة على تفادي مثل هذه المنزلقات الطائشة في العلاقات بين الأشقاء، حيث يدرك زعيما البلدين أن هناك ملفات عربية حيوية في العراق وسوريا واليمن وليبيا بحاجة إلى حلحلة إستراتيجية، كما أن حالة التأزم التي تعانيها المنطقة بحاجة إلى قرارات مصيرية لن تتخذ بعيدًا عن الدولتين الكبيرتين، لاسيما في ما يتعلق بمواجهة الإرهاب وخطره الداهم.
أعتقد أن زيارة العاهل السعودي إلى القاهرة في التوقيت الراهن تحديدًا هي أيضًا ضربة قوية للحاقدين والكارهين من صائدي الأزمات في المنطقة، وتحديدًا ممن روجوًا لسيناريوهات مزعومة تعانيها أجواء العلاقات بين البلدين، حيث اجتهدت بعض الأطراف-ولا تزال-في تسويق تكهنات زائفة حول تباين للمصالح متناسية أن عصر التوافق المطلق والتطابق التام بين المصالح ووجهات النظر قد ولى وانتهى.
اعتاد الرأي العام في المنطقة على قراءة العبارة التاريخية الأثيرة والأشهر إعلاميًا، والتي تنص على تأكيد طرفي أي محادثات عربية-عربية على تطابق وجهات النظر، ولكن الحقيقة أن من البديهي أن يكون بين الدول قدر من التباين في وجهات النظر، بل من الطبيعي أن يكون هناك اختلافات تكتيكية، لاسيما في ظل تعقد العلاقات الدولية وتشابك المصالح الشديد والتداخل بين الحسابات والرؤى الإستراتيجية للدول جميعها، ويبدو هذا الواقع في حالات الدول المؤثرة والكبيرة ظاهرًا بقوة.
والمهم في هذه المسألة نقطتان حيويتان، أولهما تتعلق بطبيعة هذه الاختلافات وهل هي تكتيكية الطابع أم إستراتيجية يصعب القفز عليها وهل هي خلافات على قضايا جوهرية أم تفاصيل فرعية؟، وثانيهما تتعلق بأسلوب إدارة الطرفين لنقاط التباين والاختلافات، فطالما ظلت قنوات الحوار والتنسيق والتشاور مفتوحة فلا قلق من أي اختلاف في الرؤى والتصورات مهما بلغ حجمها لأن الحوار كفيل ببلوغ طرفيه أو أطرافه نقطة التقاء، وفوق هذا وذلك هناك بون شاسع بين الاختلاف والخلاف، فالاختلاف أمر بديهي أما الخلاف فربما ينبئ بما هو أعمق.
أكثر ما يلفت انتباهي في مسار العلاقات المصرية-السعودية أنها تعرضت لكم هائل من الشائعات والمزاعم و"الفبركات" الإعلامية، بل من اللافت أن هناك تقارير تنشر حول خلافات بين البلدين في حين لم يصدر عن العاصمتين رسميًا ما يشير إلى وجود أي خلافات طيلة المرحلة السابقة، ما يؤكد وجود أطراف وتيارات وجماعات تحاول إفساد العلاقة بين البلدين وتنشر الأكاذيب والادعاءات وتتعامل مع التحليلات باعتبارها "معلومات"، وتتعمد ترويج الآراء في إطار إعلامي مضلل.
وللموضوعية، فإن سيل الأكاذيب حول العلاقات السعودية-المصرية قد تراجع إلى حد كبير منذ الزيارة الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المملكة في ختام مناورات "رعد الشمال"، حيث كان حضوره بمنزلة إشارة واضحة على انتفاء أي مزاعم حول وجود أي غيوم تخيم على سماء علاقات البلدين.
ولاشك أن استمرار التشاور والتعاون الوثيق بين قيادتي البلدين كفيل بتحقيق أكثر قدر من تقارب الرؤى والتصورات والمواقف بما يصب في مصلحة الأمن القومي العربي، ويعزز فرص التوصل إلى حلول ومخارج لمصلحة الشعوب العربية التي تعاني أزمات في دول عدة.
وهناك شواهد تنبى بأن زيارة العاهل السعودي إلى مصر ستكون تاريخية في نتائجها، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على الصعيد العربي، لذا فليس من الغريب أن يتفق المحللون والباحثون على تاريخية هذه الزيارة، وأنها تمثل انطلاقة جديدة للعلاقات الإستراتيجية بين البلدين الشقيقين.
ونحن في دول مجلس التعاون، ولاسيما في دولة الإمارات العربية المتحدة، ننظر باهتمام وتفاؤل شديدين إلى أي خطوة من شأنها تمتين أواصر العلاقات بين الشقيقتين الكبيرتين، مصر والسعودية، كما نؤمن بأن دولنا العربية أحوج ما تكون في المرحلة الراهنة للاصطفاف والتوحد وراء قياداتها من أجل عبور النفق المظلم الذي تمر به المنطقة، ودحر المؤامرات والفتن التي يشارك فيها وكلاء إقليميون يتربصون بنا ويكيدون لدولنا وشعوبنا، وينتظرون لحظة مناسبة للانقضاض على الكثير من مكتسباتنا الوطنية.