أتابع بدقة، بحكم عملي البحثي، مجريات الأمور وتطوراتها في مختلف دول العالم، لاسيما على الصعيد التنموي، وأستطيع القول بكل ثقة وتأكيد أنه لا توجد دولة في العالم تتعامل مع المستقبل بالجدية التي تتعامل بها دولة الامارات.
المستقبل بالنسبة للإمارات هو تحد رئيسي يجب الفوز به، والمسألة هنا ليست شعارات ترفع، ولا مناسبات احتفالية تتردد خلالها الكلمات والأشعار، بل عمل مستمر وجهود مكثفة وتخطيط استراتيجي دقيق يستوعب تجربة الماضي ومعطيات الحاضر ويضع أهداف المستقبل المرسومة في رؤيتين واضحتين هما "الإمارات 2021" ومئوية الامارات 2071، يضع أهداف هاتين الررؤيتين نصب عينيه، فالعمل ثم العمل هو شعار المرحلة الراهنة.
هذا ماتجسده "الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات"، فهي لقاء وطني اتحادي يجمع بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويضم سمو أولياء العهود ومجلس الوزراء والمجالس التنفيذية في الدولة وأبرز 400 مسؤول حكومي في مختلف القطاعات التنموية.
تهدف هذه الاجتماعات الحيوية التي استغرقت يومين إلى مناقشة تطورات الجهود والبرامج كافة التي تم إنجازها لتحقيق رؤية الإمارات 2021 واستعراض أهداف السنوات الثلاث المقبلة بالإضافة إلى وضع الخطط والاستراتيجيات التي تضع حجر الأساس لمئوية الإمارات 2071.
يومين كاملين من خلال 30 مجلساً يناقش خلالها القادة والمسؤولين ما تم، وما يتوقع أن يتم خلال السنوات الثلاث المقبلة، إلى جانب إطلاق 5 استراتيجيات طويلة الأمد و120 مبادرة وطنية في أكثر من 30 قطاعاً مشتركاً بين الاتحادي والمحلي إلى جانب استعراض الواقع الجيوسياسي العالمي ومناقشة مستهدفات الدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة حتى 2021.
من ثمرات هذه الجهود الجبارة، أننا بدأنا نطبق في دولة الامارات رؤية اتحادية موحدة في التعليم، حيث أعلن مشروع "المدرسة الإماراتية" الذي يقضي بتوحيد الأنظمة التعليمية على مستوى الإمارات، وهي خطوة نوعية هائلة التأثير في تاريخ التعليم بالدولة، وتؤكد الأولوية المطلقة للتعليم، كما تؤكد كذلك وجود إيمان وقناعة راسخة لدى قيادتنا الرشيدة بترجمة نهج "البيت متوحد" في كل قطاعات التخطيط والعمل والإنتاج بدولة الامارات.
ماذا وراء كل ذلك؟ هي مسألة تنموية وطنية بالدرجة الأولى، بل هي مرحلة تأسيس ثانية لدولة الاتحاد، فمسيرة التنمية الشاملة وأهدافها المستقبلية الطموحة تتطلب تمكين دولة الاتحاد، وليس فقط تمكين شعب الاتحاد، فقد تجاوزنا هذه الخطط بفعل الإنجازات الهائلة التي تحققت على صعيد تمكين المرأة والشباب ومختلف فئات المجتمع الاماراتي، وتوجهنا إلى تمكين دولة الاتحاد في كل شيء، وقد حققت الدولة الكثير من الإنجازات على صعيد هذا التمكين، ولم يبق أمامنا سوى جوانب مثل النظام التعليمي الموحد القادر على تحقيق الأهداف الوطنية العليا ضمن الرؤية التنموية، وذلك بهدف الانطلاق نحو العالمية وتعزيز تنافسية الدولة على هذا الصعيد، ليكون التعليم الاماراتي بوابة دخولنا إلى المستقبل، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فهو القائد الذي يولي التعليم وشؤونه كل رعاية ومتابعة واهتمام، وهو القائد الذي يؤمن بالعلم والتخطيط الجيد كأساس للنجاح وتحقيق الأهداف، ويسعى بكل جدية وراء طموحه الخاص بالاحتفال بتصدير آخر برميل نفط قريباً.
في كل جهد يبذل في دولة الامارات في المرحلة الراهنة، تستطيع أن تصل إلى قناعة بأن المستقبل هو الهدف، والتعامل مع أدواته وتحدياته واستحقاقاته هو الشغل الشاغل للقيادة الإماراتية، التي وضعت الخطط والاستراتيجيات للتعامل مع كل ذلك، وتواصل المتابعة الحثيثة لما تحققه هذه الخطط والاستراتيجيات على المستوى التنفيذي.
إن "الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات"، ليست فقط لقاءات وطنية اتحادية قادرة على اتخاذ ما يلزم من قرارات وسياسات وطنية، بل هي خير ترجمة لروح الفريق الواحد التي تميز العمل في دولة الامارات في عصر التأسيس الثاني لدولة الاتحاد، فنشر الخير لجميع أبناء الاتحاد وتعميم ثمار التنمية ونشره في كل شبر من ربوع الوطن هو هدف هذه الاجتماعات، التي ترسم خارطة الطريق نحو الثورة الصناعية الرابعة.
المتابعة الشاملة لكل القطاعات في وقت واحد هي أيضاً سياسة بالغة الأهمية، فـ "التنمية مفهوم شامل ومتكامل ولا يمكن لقطاع أن يزدهر دون الآخر" كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يقود حكومة المستقبل بكل كفاءة واقتدار ويمضي بها بثبات نحو تحقيق قفزات تنموية لجميع القطاعات في كل الإمارات.
العمل ثم العمل بهدف تحقيق سعادة المواطن هو جوهر فلسفة هذه الاجتماعات الوطنية غير المسبوقة، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فالإمارات تصنع مستقبلها، ساعية إلى تعزيز نهضتها، هادفة إلى استدامة السعادة لشعبها.