لم أكون أنوى الكتابة فى الشأن المصرى الانتخابى، وأدرك عمق حساسية الموضوع ونظرة الأشقاء المصريين لذلك بحكم ارتباطهم الشديد بوطنهم، ولكن ليعذرنى الجميع، لأن مصر ليست وطن المصريين وحدهم، ولا حكراً على أبنائها، فهى وطن العرب جميعاً، ومظلتهم والشقيقة الكبرى التى يحتمون بها أوقات الشدائد والمحن.
لن أخوض فى تفاصيل التنافس الانتخابى فى مصر، ولا هوية من يترشح ولا من يفضل الابتعاد عن هذا المشهد، ولكن ما يشغلنى هو مصر بحاضرها ومستقبلها، وكيفية ضمان استمرار مسيرتها الحضارية، ودورها المحوري كركيزة للأمن والاستقرار فى المنطقة العربية.
وكى أكون أكثر صراحة وشفافية فى مواجهة ردود فعل متوقعة، لست بصدد تسجيل موقف نفاق لإدارة الرئيس السيسي رغم احترامى وتقديرى الشديد لإنجازاته الوطنية الخالصة، ولكنى أتحدث كمراقب خارجى، ربما أتاحت له الفرصة أن ينظر بعين محايدة لما يدور فى مصر وكيف كانت التوقعات بشأن مآلات ما مرت به من تحولات متسارعة خلال السنوات الماضية.
فى ضوء موقفى هذا، عندما نقرأ المشهد الراهن فى مصر بتفاصيله ومعطياته السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية والمعيشية والتنموية، علينا أن نقرأ انطلاقاً من خلفيات لا يجب تجاهلها، لأن هذا التجاهل يضعف فرص قراءة المشهد جيداً، كما يؤثر سلباً فى فهم هذه المعطيات بشكل معمق.
هناك جدل يدور فى وسائل الإعلام والمهتمين والباحثين حول إنجازات الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، وهذا جدل طبيعى وصحى، ويثرى الحياة السياسية المصرية وينتج مزيداً من الأفكار والمقترحات والمبادرات الهادفة إلى تطوير وتسريع خطط الإصلاح التى تتبناها مصر فى المرحلة الراهنة.
عندما أفكر فى أوضاع مصر خلال المرحلة الراهنة، لابد وأن أستند إلى معطيين رئيسيين، أولهما البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية بكل تفاصيلها، التى يعمل بعضها لمصالح مصر الدولة والشعب، ويذهب البعض الآخر فى اتجاه مناوئ ومضاد تماماً لهذه المصالح الاستراتيجية. والمعطى الثاني يتعلق بنقاط الارتكاز أو معطيات المشهد الذى انطلقت منه مصر في مرحلة مابعد 30 يونيو 2013، على الصعد الاقتصادية والسياسية والتنموية والأمنية وضع أكثر من خط أسفل "الأمنية"!
علينا أن نتذكر جيداً كيف كانت أكف العرب والمصريين المخلصين جميعاً ترفع خلال الفترة التى أعقبت سقوط نظام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، بأن يحفظ الله مصر وشعبها، وأن يجنبها ما يحيق بدول عربية أخرى من فوضى ودمار وصراعات، تسببت فى تشريد ولجوء أكثر من عشرة ملايين عربى خارج دولهم، ناهيك عن النازحين فى الداخل ومشهد الدمار والخرب الذى بات لصيقاً بذكر دول عربية عدة للأسف الشديد!
مصر هى "عمود الخيمة" العربية كما نقول فى أدبياتنا، ولذا فإن الخوف عليها كان شديداً وبديهياً ومفهوماً، لمن يعرف قدرها ومكانتها ودورها وتأثيرها، وليس كما يعتقد البعض بأنه "تدخل" فى شؤونها، فمصر أكبر وأعمق من أن تخضع لتدخلات خارجية أو محاولات "هندسة" لخارطتها السياسية والمجتمعية بحكم موروثها الحضارى والإنسانى والثقافى العريق، القادر على ابتلاع أى محاولات من هذا النوع والتصدى لها.
عندما نتذكر بعض مشاهد الأعوام السابقة وماحدث فى دول عربية عدة، علينا أن نتفق على حقيقة مهمة وهي أن القيادة المصرية الحالية قد نجحت فى قيادة مصر وسط الأنواء شديدة التقلب، بل المؤامرات التى لم يكن يخفى على مراقب موضوعى واع مدى استهدافها لمصر وسعيها، لنشر الفوضى والاضطراب بين ربوعها وفى أكثر مناطقها الجغرافية حساسية وتماساً مع الأمن القومى المصري.
قناعتى الشخصية أن قيادة أى ربان للسفينة وتجاوز العواصف والأنواء من دون خسائر، يمثل شهادة جدارة وكفاءة تستحق التقدير، وعالم السياسة والعلاقات الدولية وصراعاتها أكثر تقلباً وشراسة من عالم البحار والمحيطات، وفى هذا المجال أستطيع القول أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد حقق تميزاً في المرحلة الماضية رغم كل ما حاق بالسفينة من آثار سلبية في نواح معيشية وتنموية واجتماعية وغير ذلك.
علينا أن نتذكر جيداً أن أكثر المراقبين تفاؤلاً خلال عامي 2011، و2012 لم يكن يتوقع لمصر أن تنجو سالمة ببساطة من زلزال التغيير الذى تعرضت له بعض دول المنطقة، وأن آثار هذا الزلزال ستوقف مسيرة مصر وشعبها لسنوات وعقود قادمة، ولكن ما حدث أن مصر نجت، بفضل الله، بأقل قدر من الخسائر، وها هى تعود رويداً رويداً إلى مكانها ومكانتها الطبيعية كدولة قائدة وقوة إقليمية مؤثرة اقليمياً ودولياً.
من حق الجميع أن يختلف أو يتفق حول إنجازات السنوات الأربع السابقة من حكم الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، ولكن علينا أن نتفق بصراحة وشفافية على ما تحقق من إنجازات نوعية، فى مقدمتها تجنيب مصر، الشعب والأرض والتاريخ، سيناريو كارثى كان يخطط ويدبر لها، وتجنيب المنطقة العربية بأكملها فوضى كانت ستلتهم الأخضر واليابس فى كل ربوعها، بحكم ما لمصر الشقيقة من تأثير، إيجابى وسلبى على حد سواء، فى محيطها الإقليمى.
تحليلي المتواضع الذى ينطلق من إحساس قومى عربى خالص، لا ينفى أن هناك إشكاليات ومعضلات تنموية وتحديات بالغة الصعوبة لا تزال تنتظر مصر واقتصادها وشعبها، ولا يعنى أن الحال ما يرام وأن الأمل قد بلغ منتهاه والأحلام تحققت وعلينا أن نحتفل، فهذا ليس هو المقصود، بل مجرد رسالة مشاركة فى النقاشات الدائرة من مخلص ومحب لمصر وشعبها.