لم يكن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائداً عادياً لشعبه، بل كان قائداً استثنائياً بكل المعايير والمقاييس، ومن يقرأ كتب التاريخ ويطالع الأرقام والإحصاءات حول الأوضاع التنموية لسكان الامارات قبل تأسيس دولة الاتحاد يدرك جيداً أن من حول هذه المساحة الشاسعة من الصحراء الجرداء إلى دولة تضارع أرقى الدول وأكثرها تقدماً وتطوراً، بل وتحتل المرتبة الأولى في أكثر من خمسين مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية في عام 2017، يدرك أنه قائد استثنائي فذ.
عندما تقيم دولة الامارات صرحاً لتخليد باني نهضتنا ومؤسس دولتنا، الشيخ زايد، طيب الله ثراه، فإن المسألة تتجاوز معاني تخليد الذكرى والوفاء لصاحبها، وتطال معان ودلالات أعمق من ذلك بكثير.
تدشين "صرح زايد المؤسس" في أبوظبي هو بمنزلة إحياء لقيم زايد ومبادئه ورسالته في الحياة، وهي رسالة الخير والعطاء من دون حدود ولكل البشر من دون استثناء أو تفرقة بين لون وجنس ودين عرق.
لقد ورث شعب الامارات إرثاً عظيماً وملهماً من القيم الإنسانية النبيلة، وهذه القيم ارتبط بمؤسس دولتنا، فكلما ذكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يذكر الخير والإنسانية والمبادئ، والأمر لا يقتصر على الامارات وشعبها، بل يطال الكثير من شعوب العالم ودوله، فبصمات الشيخ زايد مشهودة، وأياديه البيضاء طالت الملايين في أرجاء العالم، وربما لا نجد شخصية أو قيادة في عصرنا الحديث تضاهي ما تمتع به الشيخ زايد من كرم وسخاء وحب الخير والعطاء.
صرح زايد المؤسس إذن ليس معلماً عادياً من معالم الامارات، بل منارة حضارية للقيم والمبادئ التي غرسها زايد في هذه الأرض الطيبة، وإنني لأجد في هذا الصرح قيمة عظيمة لتخليد إرث زايد كونه تجاوز المفهوم التقليدي لتخليد الشخصيات العظيمة، منتقلاً إلى بناء منارة تشع بكل ما ترمز شخصية الراحل العظيم، وتعرف جميع زائريها بإرثه الحضاري والإنساني.
إن الاحتفاء بالقائد المؤسس في "عام زايد" هو تعزيز لروح الامارات وتجديد وإحياء لها، فروح الامارات هي روح الراحل العظيم وقيمه ومبادئه التي عاش من اجلها وغرسها فينا فهي حية باقية ما حيينا، ولكننا كنا بحاجة إلى المزيد من الجهد لنشر هذه القيم والمبادئ التي يمكن أن تسهم بشكل فاعل في نشر التسامح والتعايش بين بني البشر في كل مكان.
بعد أن أصبح شعب الامارات من أسعد شعوب العالم، كان لزاماً على الجميع الاحتفاء بمن غرس أسس السعادة ومن وضع لبنات هذا البناء الاتحادي الذي نستظل بظله، ومن أطلق مسيرة التنمية والبناء حتى باتت دولتنا نموذجاً ملهماً للدول والأمم والشعوب، ليس فقط في الرفاه والرخاء الاقتصادي، ولكن أيضاً في العلاقة بين القيادة والشعب، وبين المواطنين والمقيمين حيث يتنفس الجميع هنا نسمات التسامح في نموذج فريد قام على نهج وقيم زايد.
صرح زايد المؤسس هو صرح يرنو إلى قامة وقيمة ومكانة صاحبه، الذي يفوق في مكانته وقيمته كل الصروح وكل ما يمكن أن تبنيه أيادينا، فقد فاض خيره على الجميع وطغت مبادئها ورسالته الإنسانية النبيلة على ما دار بخيالنا من أفكار تباهت عقولنا بحداثتها وتفردها، فكان لزاماً أن يكون لصاحب الذكرى حقه في الوفاء بما يليق به، وليتنا نرتقي إلى أن نليق به عبر صرح أو مبادرات وغير ذلك مما يدور بمخيلاتنا من خطط وتصورات غايته الأولى والأخيرة أن نبلغ مقام باني نهضتنا ورمز عزتنا ومصدر فخرنا واعتزازنا.
صرح زايد المؤسس يروي قصة زايد، قصة البناء، قصة إرادة، قصة قاهر الصحراء، قصة رجل أحب شعبه والبشر جميعاً، فليتنا نكون على قدر هذا الحب والعطاء.