أدرك قبل أن اكتب في موضوع الانتخابات الرئاسية المصرية، ان تناولي يبدو محفوف بالمصاعب، وربما الشكوك، لإدراكي المسبق، من خلال متابعتي الدقيقة للشأن المصري، مدى حساسية الكثيرين لأي حديث من الخارج عن شأن داخلي مصري، ولكن ما شجعني أن لديّ يقين قوي بأن الانتخابات الرئاسية المصرية، بل إن مصر ذاتها وما يحدث فيها، ليس شأناً مصرياً فقط بل يهمنا جميعاً كعرب وخليجيين، ويهم العالم أجمع، بحكم مكانة مصر وتأثيرها الاستراتيجي القوى في محيطها الإقليمي.
وحتى لا تختلط الأوراق، فلا اقصد من اهتمامي، وغيري، بالشأن المصري أن نتدخل فيها بطبيعة الحال، فهذا ليس واقعياً، ولا مطروحاً ولا وارداً لاعتبارات عديدة، ولكننا نتابعها بالرأي والتحليل ومن منطلق فهم الأبعاد والتأثيرات.
بعد ما ارتأيت أنه "مقدمة حتمية"، أقول إنني تابعت وغيري كثيرون، تصويت المصريين بالخارج في الانتخابات الرئاسية، وتابعت أيضاً السجالات التي تدور حول الأجواء الانتخابية، وخرجت ببعض الملاحظات منها اعتقادي بتشابه المواقف والظروف بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين في ما يخص الظروف التي مرت بها بلديهما، وكذلك مقدرة كل منهما على التعامل مع المتغيرات الداخلية والخارجية، ومنها الانتخابية بطبيعة الحال.
الرئيس بوتين، الذي اعيد انتخابه لولاية رئاسية رابعة بعد الانتخابات التي جرت مؤخراً، حقق لروسيا الكثير من الإنجازات التي تمنحه شرعية سياسية لا تقل عن شرعية صندوق الانتخابات. صحيح أن الصندوق هو الأكثر تعبيراً عن إرادة الشعوب، وقد حدث هذا بالفعل بعد أن صوت له الناخبون الروس بنسبة كبيرة، ولكن ما حققه بوتين لروسيا وشعبها إنجاز يمنحه الشرعية الأهم ـ من وجهة نظري ـ فما أنجزه على ارض الواقع لم يكن يتوقعه أي مراقب لأحوال روسيا في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
الرئيس بوتين واجه ـ مثلما هو حاصل مع الرئيس السيسي ـ محاولات خلط الأوراق ووصف العملية الانتخابية بالاستفتاء رغم أن بوتين قد واجه عدة منافسين في تلك الانتخابات. والمفارقة أن منافسي الرئيس الروسي لو خصصوا نصف جهودهم للفوز بثقة الناخبين لربما حققوا نتائج أفضل بدلاً من هدر الجهود في محاولات التشكيك في معدلات الاقبال الشعبي على الانتخابات!
حاصر معارضي الرئيس الروسي أنفسهم بشكوك غريبة منها أن الكرملين قام بتضخيم نسب المشاركة سواء بعمليات تزوير عبر حشو الصناديق، أو عبر نقل الناخبين بأعداد ضخمة إلى مراكز الاقتراع! ولا يدري القارئ أيهما يصدق: هل تم حشو الصناديق بأصوات مزورة أم أن المسألة تتعلق بنقل الناخبين من اجل الادلاء بأصواتهم!!
رهان المعارضة إذن في روسيا كان يتلخص في السعي لإفشال العملية الانتخابية، عبر دعوة الناخبين لعدم التصويت او المقاطعة، مع إن ذلك يعد من أكبر الممارسات التي تضر بالعمل السياسي بشكل عام، حيث يصعب معالجة حالات القطيعة والفصام السياسي هذه في مراحل زمنية لاحقة!
الانتخابات الروسية قيل عنها أنها محسومة النتائج، وأن فوز الرئيس بوتين بها كان حتمياً، حيث تزعم المعارضة أنه أضعف فرص خصومه في المنافسة أو أبعدهم عن طريقه، ولكن لم يواجه أحدهم هؤلاء نفسه بالحقيقة القائلة أن الرئيس بوتين يتمتع بشعبية طاغية تجعل من الصعب منافسته، حيث يعتبر زعيماً وطنيا انقذ روسيا من فترة اضطرابات اقتصادية وتراجع سياسي واستراتيجي، كان قد جعل من روسيا "قوة مريضة" وقوة دولية بائدة لم تكن تستطع حماية مصالحها الاستراتيجية عقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وحدوث تداعيات كارثية يعرف العالم أجمع حدودها ومظاهرها.
أي نقاش مماثل حول جدلية الاستفتاء أو الانتخابات في مصر يبدو هزلياً، لأنه من الناحية الشكلية والاجرائية هناك انتخابات تجرى طبقا للدستور والقانون، ومن الناحية الموضوعية يقر أي مراقب موضوعي بأن فرص فوز الرئيس السيسي بأي انتخابات في مصر تبدو مؤكدة بالنظر إلى الإنجازات التي حققها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
المسألة واضحة في الحالة المصرية، فالطوابير التي اصطفت أمام سفارات مصر للمشاركة في الانتخابات الرئاسية مؤشر واضح على حماس المصريين لرئيسهم، فما حدث بالخارج مؤشر قوي على ما يدور بالداخل وعلامة دالة على نبض المصريين، لأن الخارج يكون عادة أكثر تحرراً وتخففاً من قيود وحسابات الداخل، فضلاً عن كونه أكثر حماسة واستعداداً للمشاركة في أي فعل انتخابي.
علينا أن نتفهم ان تركيز الدولة المصرية على رفع نسب المشاركة ينطوي على وجاهة سياسية لأن مصر التي تواجه تحديات إقليمية ودولية عدة في المرحلتين الراهنة والمقبلة، بحاجة إلى قيادة تستند إلى ظهير ودعم شعبي قوي قادر على إبطال أي حجج أو مزاعم تحاول الإساءة، أو تمارس الضغوط عن طريق التسلل من بوابة الانتخابات أو ممارسة لعبة خلط الأوراق.
وهنا علينا أن نعود بالذاكرة قليلاً للوراء ونتذكر أن مشهد "الطوابير" نفسها التي يشكك فيها الارهابيون اليوم هي نفسها التي كانت موضع فخر واعتزاز لهم في انتخابات سابقة! فماذا تغير بين الأمس واليوم حتى تتغير رؤيتهم؟! إنها المصالح الذاتية لا مصالح الأوطان، فالمشهد لم يتغير ولكن المصالح تبدلت وتغيرت، ومن ثم على الجميع أن ينتبه لخطر الدعاية التي تبحث عن أي ثغرة تنفذ منها لعرقلة مسيرة مصر وشعبها للسير إلى الإمام.
ثمة جزئية أيضاً ربما تغضب البعض مني، تتعلق بوجود إشكالية مهمة ترتبط بالعملية الانتخابية في مصر، وهي التركيز الإعلامي المبالغ فيه على أن هناك عدو يحظى بشعبية ما تتطلب مواجهتها إعلاميا، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فالجميع يعرف أن من يحاولون الإساءة للرئيس وإنجازاته ليسوا سوى زمرة إرهابية منبوذة من الشارع المصري، ولا وجود أو تأثير حقيقي لها، عدا بعض "دكاكين" الاعلام التي تديرها عناصر التنظيم للارتزاق من قطر وتركيا وغيرها، وبالتالي فلو أن الاعلام المؤيد للرئيس قد ركز على إبراز إنجازاته في مختلف المجالات بشكل موضوعي لكان هذا أكثر فاعلية وفائدة لمصر وشعبها.