من خلال متابعتي للتغطيات الإعلامية للأحداث والأخبار، رأيت، ورأى الكثيرون، كيف حازت جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على معظم اهتمام وسائل الاعلام العربية والغربية في الأيام الأخيرة.
من الطبيعي أن تقفز جولة ولي العهد السعودي إلى صدارة الأخبار، ولكن الحاصل أن هناك اهتمام استثنائي بتغطية الجولة وما يدور فيها لأسباب واعتبار عدة، أولها صعود دور ومكانة المملكة العربية السعودية اقليمياً، فلم تعد السياسة الخارجية السعودية كما كانت في الماضي، سياسة ردة فعل، بل باتت سياسة مبادأة حازمة في التعامل مع التحديات الاستراتيجية التي تتداخل مع الأمن القومي العربي بشكل عام والأمن الوطني السعودي بشكل خاص. والسبب الثاني له علاقة وثيقة بالأول، ويتمثل في بصمات ودور ولي العهد السعودي الذي يمكن اعتباره "مهندس التغيير" وقائد مسيرة المملكة نحو الحداثة في القرن الحادي والعشرين، فكل ما يسمعه العالم من أخبار وتطورات ترتبط بالمملكة في السنوات الأخيرة هو نتاج رؤية الأمير الشاب، الذي يحمل في عقله أحلام وطموحات وتطلعات الشباب السعودي، الذي يمثل أكثر من ثلثي تعداد المملكة، البالغ نحو 33 مليوناً؛ يحلمون بسعودية كالتي يرسمونها في أحلامهم، ويعبرون عنها في جلساتهم، ويتطلعون إلى توظيف علمهم ودراستهم، في الداخل والخارج، من أجل بنائها.
لقد ترجم ولي العهد السعودي أحلامه لمستقبل المملكة في رؤية 2030، التي تعد بتحول جذري على المستويات والصعد كافة، الثقافية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والتنموية، باختصار تعد اقليمها والعالم بصعود سعودي تنموي قادر على أن يلعب دور الرافعة الاستراتيجية لمنطقتنا بأكملها من كابوس التطرف والعنف إلى عصر جديد من التسامح والاعتدال والتعايش والتنمية.
ربما نكون، كإماراتيين، أكثر الشعوب العربية حماساً للتوجه السعودي نحو العصرنة، لسبب بسيط هو أننا نرى أن محاربة التطرف والأفكار الداعشية الظلامية لن يتحقق على المدى البعيد سوى من خلال نشر الاعتدال والتنمية والثقافة والتسامح والتعايش والوسطية، بحيث تعمل بذور هذه الثقافة الجديدة على اجتثاث أي فكر متطرف من أرض المنطقة بأكملها، بحكم أن التطرف ضد الطبيعة البشرية، وأن تهيئة الأجواء لتحقيق رسالة الانسان الأساسية في إعمار الأرض ونشر الخير يمثل حائط صد قوي منيع ضد التطرف والإرهاب وأصحاب هذا الفكر الذين يقتاتون ويتعايشون على الانغلاق واحتكار الأفكار واختطاف الدين والحديث الحصري باسمه!
اعتاد العالم في متابعته لأخبار جولات القادة السعوديين في السابق على مفردات سياسية وعسكرية وأمنية، لكن أجندة النقاشات السعودية الجديدة باتت تمتلك مفاهيم ومفردات مثل الثقافة والفنون والتعليم والصحة، أي انها تستهدف التنمية بجوانبها وأركانها المتكاملة، فلم تعد التجربة التنموية السعودية أسيرة توجه معين، بل بانفتاحها على العالم، تسابق الزمن للاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم في تطوير قدراتها الذاتية.
في البيان الختامي المشترك الصادر عن المحادثات السعودية ـ البريطانية، أكد الجانب البريطاني أن السعودية لديها "امكانات هائلة لتكون قوة استثمارية عالمية"، والمغزى هنا أن السعودية الجديدة لن تكون سوق استهلاكية بالدرجة الأولى، بل قوة اقتصادية استثمارية تلعب أدوار حيوية في عجلة الاقتصاد العالمي، والأمر لا يقتصر على مشروع "نيوم" الذي يعد عصب النقلة النوعية السعودية للقرن الحادي والعشرين، ولا إدراج حصة من شركة "أرامكو" في أسواق المال، بل يرتبط أساساً برؤية القيادة السعودية الجديدة للعالم من خلال نطرة تشاركية تنموية مغايرة ستدفع طاقة إيجابية هائلة في شرايين التنمية للمنطقة بأكملها.
تختلف الأوصاف في التعبير عن رؤية ولي العهد السعودي، فالبعض يعتبرها "براجماتية" وآخرون يرونه "مؤسس الدولة السعودية الرابعة" وفريق ثالث يراه قائد مسيرة السعودية للحداثة في القرن الحادي والعشرين، وأميراً للمهام الصعبة، وأياً كانت التوصيفات والتعبيرات، فالعالم ومنطقتنا يشعرون بتأثير الدماء الجديدة بكل ما يمتلكه الشباب من طموح وعنفوان ومقدرة على الفهم والإدراك وقيادة التغيير الإيجابي في بلادهم.
إن من كانوا يشعرون بالخوف والقلق من تسارع وتيرة التغيير في المملكة غير قادرون على فهم ديناميات جيل الشباب، وينظرون بمعايير الماضي إلى خطوات الحاضر والمستقبل، ولا يدركون أن المملكة، والعرب في أغلبهم، قد فاتهم الكثير من أجل اللحاق بركب التطور والحداثة العالمي، وأن الوصول إلى النقطة التي يقف العالم عندها اليوم يحتاج إلى استراتيجية "الصدمة" وحرق المراحل طالما كان ذلك بوعي ودراسة وعبر خطوات محسوبة وجادة، فلا سبيل سوى القفز، والسرعات الصارخية، فلم يمشى الحراك العادي قادر على تجسير فجوة التقدم بين منطقتنا وركب الحضارة.
واعتقد شخصياً أن المجتمع السعودي والعالم، قد تجاوز فعلياً ما أسماه ولي العهد السعودي نفسه باستراتيجية الصدمة في التعامل مع الواقع المجتمعي السعودي بكل ما فيه من خبايا وإشكاليات، وأن هناك ترقب إيجابي لما بعد الصدمة من نتائج بات الداخل والخارج السعودي ينظر إليها بترقب وشغف إيجابي، بعد أن طويت صفحة الخوف والقلق وانتقلنا إلى مرحلة ترقب مزيد من الخطوات والإجراءات والمضي في تنفيذ ما تحويه أجندة الأمير الشاب من خطط تطوير استراتيجية جديدة.
إجمالاً، السعودية الجديدة باتت واقعا نتابع تفاصيله يومياً، وقد كشفت جولة الأمير محمد بن سلمان بكل المعاني وعبر مختلف وسائل الاعلام، حجم ما تلقاه القيادة السعودية الشابة من احترام وتقدير عالمي لقيادة سعودية عربية جديدة قادرة على حمل هموم أمتها والتحدث باسمها، وهذا بحد ذاته جدير بأن يجعلنا نتفاءل بالمستقبل.