من بين مجمل القضايا العربية والإقليمية، تحظى القضية الفلسطينية بأولوية استثنائية لدى دولة الامارات العربية المتحدة، وهذا الأمر ثابت وواضح خلال مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها القضية منذ عام 1948 وحتى الآن، حيث تشير الأرقام والإحصاءات إلى أن المساعدات الإماراتية المقدمة للشعب الفلسطيني خلال فترة السنوات الخمس الماضية (2012-2017) قد بلغت 1.68 مليار دولار، تركزت بصفة أساسية في دعم البرامج العامة بقيمة 647.7 مليون دولار بنسبة 38%، ومساعدات لقطاع التعليم بقيمة 348.5 مليون دولار بنسبة 21%، ومساعدات بقيمة 297.6 مليون دولار لقطاع الخدمات الاجتماعية بنسبة 18%، ومساعدات سلعية بقيمة 128.4 مليون دولار بنسبة 8% ، ومساعدات لقطاع الصحة بقيمة 126 مليون دولار بنسبة 7%.
بالإضافة إلى ما سبق هناك تاريخ ممتد من المساعدات الإماراتية، التي قمت برصدها علمياً ضمن دراسة منشورة لي في هذا الموضوع، تعكس أولوية القضية ومركزيتها لدى دولة الامارات وقيادتها الرشيدة.
وعلى هذه القاعدة واستناداً إلى مواقف وشواهد ثابتة، جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن تقديم حزمتين من المساعدات لدعم الشعب الفلسطيني الأولى بقيمة 74 مليون درهم (20 مليون دولار) تخصص لبرنامج دعم الأوقاف الاسلامية في القدس، والثانية بقيمة 184 مليون درهم (50مليون دولار) أمريكي/ لصالح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
لا يقتصر فهم أبعاد هذا الدعم على موقف الامارات التاريخي الثابت والراسخ حيال القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وإنما يمثل أيضاً ترجمة لمقررات "قمة القدس"، التي عقدت في الظهران بالمملكة العربية السعودية الشقيقة مؤخراً، والتي عبرت بصدق بالغ عن وقوف قادة وقوف الدول العربية خلال القمة صفاً واحداً لدعم الشعب الفلسطيني والدفاع عن القدس الشرقية المحتلة، عاصمة لدولة فلسطين.
دعم الأوقاف الاسلامية في القدس للحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للمدينة، لا يقل أهمية عن دعم وكالة "الأونروا" بهدف ضمان استمرار حصول الطلاب والطالبات على التعليم الأساسي في بيئة مدرسية ملائمة تتوفر فيها أساسيات التعليم من خلال مدارس "الأونروا"، والحفاظ على حقوق الطلاب الفلسطينيين في التعليم، وما يضاعف أهمية هذا التبرع أنه يأتي في وقت تعاني فيه الوكالة عجز مالي فادح يؤثر بشدة في برامجها ومشاريعها التشغيلية للاجئين الفلسطينيين.
الدعم الاماراتي القوي للشعب الفلسطيني وقضيته، والذي يأتي بعد دعم سعودي سخي أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته بافتتاح قمة القدس، يمثل نسفاً للمزاعم والأباطيل التي رددتها أبواق الفتنة الإخوانية ، القطرية ـ الإيرانية، التي ملأت الدنيا ضجيجاً خلال الأشهر الماضية بمزاعم وأكاذيب حول انحسار الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية وتبدل أولويات القادة العرب وغير ذلك من فتن أرادت بها تأليب الشعوب ونشر الفتن ومواصلة سيناريو الفوضى، الذي لا يزال يأمل رعاته في استكمال حلقاته بالمنطقة العربية.
لم تغب القدس والقضية الفلسطينية عن صدارة الأولويات العربية، وإنما تبقى قضية مركزية للعرب جميعاً كما اكدت قمة القدس وكما تؤكد مواقف السعودية والامارات وبقية الدول العربية، فالاهتمام بالتصدي للخطر الفارسي الطائفي الإيراني لا يعني مطلقاً أن تحل قضية مكان أخرى، فالقدس حية، وستبقى كذلك إن شاء الله، في ضمير العرب والمسلمين، وأن الامارات وقيادتها وشعبها تواصل نهجها التاريخي الداعم للقضايا العربية المصيرية، حتى استعادة الحقوق العربية المشروعة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
الموقف الاماراتي يكشف ويفضح بجلاء نهج بث الفتن ومحاولات التفرقة بين الشعوب العربية، فالإمارات والسعودية لم تكتفيا بالدعم السياسي القوي بل قدمتا دعماً مالياً نثق أنه يمثل طعنة لأبواق الغدر والفتنة في المنطقة.
القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول (صلي الله وعليه وسلم) لا تحتاج من أحد أن يذكر الامارات بواجبها تجاهها، ولن تكون القدس أبداً بعيداً عن أولويات اهتمام الامارات وشعبها وقيادتها، هكذا يثبت التاريخ ويوحي الواقع.
الامارات كانت وستبقى داعية سلام ووحدة للعرب والإنسانية جمعاء، ولن تكون أبداً من بين المتخاذلين الداعين للتخلي عن نصرة القدس والشعب الفلسطيني وقضيته، فالقيادة الرشيدة التي تشربت بقيم القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ ومبادئه الوحدوية، تمتلك قناعة راسخة بأن قوة العرب في وحدتهم وتلاحمهم، وأنه لولا الفرقة والتشرذم والفتن والتي نشرها أعداء العرب، وبعض من بين جلدتهم، ما كان حال الملايين من العرب هكذا بعضهم يعانون وبعضهم مشردين لاجئين يتعرضون لضربات وكلاء إيران وأذرعها الإجرامية في سوريا واليمن والعراق وغيرها.