لاشك أن الخارطة السياسية الجديدة التي انتجتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق تنطوي على فرصة ثمينة لإعادة ترتيب كل مايتعلق بحاضر العراق ومستقبله؛ فالعراقيون من ناحيتهم عبروا عن إرادتهم ومنحوا الثقة الأكبر لتيار السيد مقتدى الصدر، بما يمتلكه ويمثله على الساحة السياسية العراقية من تمسك بعروبة العراق ودوره ومكانته التاريخية اقليمياً ودولياً.
وضع الصدر عقب فوزه أسس لبناء عراق جديد، بما يليق بتطلعات شعبه، ويحقق الأمن والاستقرار لهذا الشعب العربي العريق بعد سنوات من الاضطرابات وغياب الأمن وغير ذلك من الإشكاليات، التي بلغت حد تهديد وجود الدولة العراقية ذاتها.
قال السيد مقتدى الصدر في تغريدة له بعد الانتخابات "بعد أن بنى الشعب بصوته السلطة التشريعية ومن خلال الملحمة الانتخابية الرائعة، فعلى السلطة التنفيذية القادمة أن تبني للشعب أسس العدل والرفاهية والأمل، لا أن تبني قصوراً وجدراناً، فكلا لجُدر الخضراء وكلا للفساد وكلا للتحزب وكلا لأزيز الطلقات، فلابد أن تكسر فوهة البندقية ويقف ضجيج الحرب".
هي كلمات تمثل حلم كل عراقي يحب بلده، ويسعى تحالف "سائرون" الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان العراقي الجديد أن يحققها. فعبور الحواجز الطائفية، والتمسك بهوية العراق العربية، هي السبيل لانقاذ حاضر العراق ومستقبله، فالعراق لن يصلح ولن يستقيم مستقبله بالمحاصصة بل بالمواطنة الحقيقية، ومراعاة مصالح هذا البلد وشعبه بعيداً عن نفوذ إيران التي لا تضمر لهذا البلد سوى الشر، ولا تتحرك سوى في اتجاه إضعاف قدرات هذا البلد وشل مقدرته على التحرك الاستراتيجي بعيداً عن نفوذ ملالي إيران.
هناك اجتماعات ولقاءات تعقد بين السيد مقتدى الصدر وقادة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات، ومنهم السيد حيد العبادي رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وهناك اتفاق على ضرورة استيعاب جميع مكونات الطيف السياسي العراقي في أي تشكيلة حكومية جديدة، حيث أكد الصدر أن لقائه مع العبادي فيه رسالة بأن "الحكومة ستكون شاملة...دون إقصاء لأحد". كلمات مهمة قالها السيد مقتدى الصدي أيضاً يجب أن يستوعبها الجيع جيداً، حيث أكد في مؤتمر صحفي مع العبادي: "يدنا ممدودة للجميع...ما دام يريد أن يبني الوطن وأن يكون القرار عراقيا".
"القرار عراقياً".. هي كلمة السر ومفتاح الأمل في مستقبل أفضل يستحقه الشعب العراقي، فالعراق لا يحتاج لخصومة مع أحد كي يستعيد مكانته وقراره، بل يحتاج فقط إلى تفعيل القرار الوطني العراقي، وتخليصه من براثن النفوذ الايراني سواء تمثل في داخل العراق نفسه، أو في رغبة الملالي في مواصلة السيطرة على زمام الأمور في بغداد.
يجب أن تنتهي تماماً من قاموس السياسة العراقية فكرة "احتلال" عاصمة الرشيد التي تباهي بها ملالي إيران وقادة حرسها الثوري منذ سنوات مضت، فالعراق ليس ساحة لتنفيذ المشروعات التوسعية الفارسية، ولا يليق بأبنائه الصمت على تحويل هذا البلد العربي العريق إلى "ممر" للوصول إلى شواطىء المتوسط، وتحويله إلى "مخزن بشري" لتصدير الميلشيات لتنفيذ أجندات إيران وأطماعها في سوريا ولبنان وغيرهما.
يدرك الجميع أن مهمة السيد مقتدى الصدر، سواء على مستوى تشكيل حكومة وطنية توافقية تشمل الجميع، أو على مستوى استعادة استقلالية القرار العراقي، لن تكون سهلة بالمرة، فالرجل ليس عدواً لأحد ـ كما يزعم بعض المحللين، بل هو وطني عراقي حتى النخاع، وتاريخه يقول بذلك، فهو من القادة العراقيين الذين يقدرون على ضبط "بوصلتهم" السياسية، من دون افراط ولا تفريط. وهنا يبدو موقفه وأهدافه بمنزلة اختبار مهم للساحة السياسية العراقية ورغبة القادة السياسيين في بناء عراق جديد قادر على تحقيق مصالح شعبه بمعزل عن أهداف ومصالح إيران، ومقدرة الحكومة العراقية المقبلة على تنفيذ هذا الهدف تعد بمنزلة أحد أهم التحديات التي تواجهها.