شهدت العديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة وحتى اللآن أمطاراً غزيرة تحولت في معظمها إلى سيول جارفة تسبب في أضرار بالغة للسكان، ففي الأردن ضربت الأمطار مؤخراً مدينة البتراء السياحية، وذلك بعد أسبوعين من مقتل 21 شخصا، بعد أن جرفتهم السيول في منطقة البحر الميت، كما تسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت في منطقة الخليج العربي بفيضانات وسيول في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت التي تقدم وزير الأشغال العامة باستقالته فيها.
كما تسببت الأمطار في مشاكل في دول عدة منها مصر، التي لم تعتد أن تتعرض مدنها إلى سيول كالتي تعرضت لها العام الماضي.
الحقيقة أن مشهد غرق المدن والشوارع قد يكون مشهداً معتاداً في دول الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة بسبب التغيرات المناخية، ومن ثم فإن من المهم ضرورة الاستعداد لهذه التغيرات التي يعصب توقع مداها خلال المرحلة المقبلة، وهذه الاستعدادات تشمل البنى التحتية للمدن وأيضاً التخطيط البيئي بشكل عام.
فما شهدته بعض الدول يفوق الطاقة المعتادة للمرافق والبنى التحتية التي لم تصمم لمواجهة السيول والأمطار الغزيرة، في دول عرف عنها مناخ يتمسك بندرة الأمطار، كما ينبغي تطوير قدرات إدارة الأزمات والفرق الاغاثية في هذه الدول من أجل التعامل مع كوارث السيول المحتملة في معظم دول المنطقة.
يجب ايضاً نشر الوعي بكيفية التعامل مع هذه الأزمات، ووضع مواصفات جديدة للمباني والطرق وجميع المرافق بحيث تراعي هذه المتغيرات التي باتت جزءاً من واقع الحياة البيئية والمناخية في منطقتنا العربية.
الحقيقة أن التغير المناخي الذي تصدر أولويات العالم في سنوات مضت، بات من القضايا المهملة على أجندة العمل بين قادة العالم، ولاسيما منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس الذي تم التوصل إليه بعد سنوات من المفاوضات الشاقة.
هذا الإهمال الدولي لم يغير من حقيقة التهديد الناجم عن التغير المناخي، فالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد حذر منذ فترة قليلة من أن العالم سيواجه تغيراً مناخياً خارجاً عن السيطرة إذا لم يتحرك لتغيير المسار الحالي في مواجهة هذه الظاهرة قبل حلول عام 2020، وقال غوتيريش إنه أطلق تحذيره إثر عجز زعماء العالم إزاء ما سماه "مشكلة عصرنا الجوهرية".
ورسم غوتيريش صورة قاتمة للآثار الناتجة عن التغير المناخي التي قال إن العالم أجمع لمسها هذا العام، معدداً بعض النتائج السلبية لهذه الظاهرة التي عانت منها مناطق عدة حول العالم مثل موجات الحرارة العالية، وحرائق الغابات، والعواصف والفيضانات التي خلفت كما كبيرا من الدمار.
ما يحدث في منطقتنا هو أقل التأثيرات خطورة في العالم بسبب ظاهرة التغير المناخي،
ومن المعروف أن الحوار العالمي بشأن لمكافحة هذه الظاهرة، قد توقف تقريباً، إذ التقى المفاوضون الأمميون في مؤخراً في محاولة للدفع بهذه العملية إلى الأمام، بيد أن الخلافات بين الدول الغنية والفقيرة على الأموال التي من المفترض أن تُنفق على المكافحة، القت بظلالها على هذا اللقاء الذي شهد مواقف متشددة وانحساراً في فرص التفاهم! ومن المتوقع أن يلتقي المفاوضون مجدداً في ديسمبر المقبل في بولندا في محاولة لإكمال صياغة دليل القواعد الخاص باتفاقية باريس للمناخ، وسط توقعات سلبية بشأن إمكانية التوصل إلى تفاهمات وحلول.
الغريب أن العالم لا يتحرك رغم أن الدراسات تؤكد أنه بحلول عام 2100 ستتزايد موجات اللجوء من نحو 103 دولة بسبب الاحتباس الحراري، او ما يعرف بصدمات المناخ، حيث تتغير الحرارة في بعض الدول إلى حارة جداً أو باردة جداً على غير المعتاد، وهناك رصد علمي بالفعل يربط بعلاقة سببية بين تزايد عدد طلبات الهجرة للاتحاد الأوروبي وبين التغير المناخي في بعض الدول الآسيوية.
ربما تختلف مظاهر التغير المناخي قليلاً في دولنا، ولكن الحقيقة أن علينا الاستعداد للمزيد من التحولات والتغيرات المناخية خلال السنوات المقبلة، لاسيما أن السيول والأمطار الغزيرة تتسبب في خسائر هائلة في البنى التحتية التي بات لزاماً أن تصمم لتحمل مثل هذه الظروف المناخية الصعبة.