تمثل التجربة الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً استثنائياً في تاريخ التجارب الوحدوية التي شهدتها المنطقة العربية منذ بدايات النصف الثاني للقرن العشرين، ولهذه التجربة ركائز وأسس استندت عليها كي تنجح وتستمر وتصبح نموذجاً يحتذى به في البناء السياسي للدول.
أحد أهم وأبرز مرتكزات تجربة الوحدة في دولة الإمارات هي القوات المسلحة، التي صدر قرار بتوحيدها في السادس من مايو عام 1976، أي بعد نحو خمس سنوات من إعلان قيام الاتحاد، حيث صدر قرار بتوحيد قوى دفاع الامارات السبع تحت علم واحد وقيادة مركزية واحدة، ليضع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بهذا القرار الأساس القوى الذي يحفظ للاتحاد تماسكه ويصون أمنه واستقرار.
وتكتسب القوات المسلحة في دولة الامارات قيمة نوعية مضافة تفوق نظيراتها في أي دولة أخرى لأسباب وعوامل محددة أهمها أن القوات المسلحة هي رمز الاتحاد الذي يجسد هويته، فهي إحدى أهم المؤسسات الاتحادية، التي تصهر هوية أبناء الامارات السبع وتغرس فيهم قيم الولاء والانتماء الاتحادي، وهي بذلك تلعب دوراً مهماً للغاية في تعميق مفاهيم ومبادئ الاتحاد، وقد تعزز هذه الدور وترسخ بعد تطبيق الخدمة الوطنية الإلزامية، في قرار يمثل محطة تاريخية مهمة للغاية في المسيرة الوطنية الاتحادية.
وقد جاءت كلمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة والأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة لتوضح فلسفة القيادة الرشيدة ورؤيتها الاستراتيجية في هذا الشأن، حيث أكد سموه أنه "لا تنمية ولا نهضة دون أمن ولا أمن دون جيش وطني قوي"، فهي متلازمة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عن أحد قواعدها، فامتلاك القوة أحد عناصر الدفاع الاستراتيجية، باعتبار ان الضعف يغري الآخرين بالتجاوز وانتهاك القوانين الدولية والاعتداء على سيادة الدول، ومن هنا يمكن فهم عامل آخر من عوامل أهمية القوات المسلحة في دولة الامارات، التي تمتلك طموحاً تنموياً لا حدود له، وتسعى إلى استشراف آفاق المستقبل من خلال رؤى استباقية واعدة تقوم على الابداع والابتكار والتميز والذكاء الاصطناعي وتوظيف الموارد والفرص التي تحملها الثورة الصناعية الرابعة في تعزيز مؤشرات التنافسية العالمية للامارات، وهذه في مجملها عوامل تحتاج إلى سياج من القوة لتحمي هذه المكتسبات، لاسيما والكل يعلم مستويات العداء التي تبديها قوى إقليمية محددة ضد طموحات الامارات التنموية ورغبتها في بناء نموذج تنموي عالمي متفرد، ونجاحها في توظيف موارد الثروة لمصلحة إسعاد شعبها وتوفير كل سبل الرفاه والازدهار لمواطنيها بل والمقيمين على أرضها، وهذا النجاح يثير حقد البعض ويدفعهم للعمل على استهداف الامارات ومصالحها الاستراتيجية، علماً بان النجاح والتطور التنموي يسهم في تشعب شبكة المصالح الاقتصادية والاستثمارية الإماراتية اقليمياً وعالمياً، ما يتطلب بدوره صون هذه المصالح والمكتسبات وحمايتها لبس فقط من خلال امتلاك جيش وطني قوي، بل ومتطور ويمتلك أحدث منظومات التسلح عالمياً من اجل مواجهة والتصدي لمصادر التهديد المتنوعة التي لم تعد تقتصر على الدول المعادية، بل باتت تشمل تنظيمات وميلشيات طائفية ومذهبية تعمل بالوكالة وتنفذ أجندات دول تطبق استراتيجيات الحروب بالوكالة في منطقتنا!
إن تنوع مصادر التهديد في القرن الحادي والعشرين يجعل من امتلاك القوة العسكرية المتطورة خياراً حتمياً للدول التي تسعى للحفاظ على امنها واستقرارها، وقد اثبتت التجارب في المنطقة العربية أن المؤسسة العسكرية هي ركيزة الأمن والاستقرار في لحظات الفوضى والاضطرابات، حيث تتحول هذه المؤسسة إلى مركز الثقل الحيوي الذي يحفظ للدول والشعوب تماسكها واستقرارها والحيلولة دون انزلاقها إلى الفوضى والصراعات الأهلية، وكي نتفهم أهمية وحيوية هذا الدور علينا أن نستحضر بمفهوم المخالفة أي سيناريو مغاير له، بمعنى ان لنا ان نتخيل عدم وجود مؤسسة عسكرية قوية متماسكة في بعض دولنا العربية التي شهدت مراحل فوضى تحت مسمى "الربيع العربي"في السنوات الأخيرة لندرك ان الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية في الحفاظ على سيادة الدول وتماسكها يمثل دوراً تاريخياً لهذه المؤسسات التي تحمل جينات هذه الأوطان والشعوب وتعبر عن هويتها وكيانها.
كل التحية والتقدير لأبناء القوات المسلحة الإماراتية في ذكرى توحيدها، وكل المجد للشهداء الذين دفعوا أعلى مايملكون في سبيل الدفاع عن الحق والقيم والمبادئ.