بعيداً عن جدل الحرب واحتمالية نشوبها، وأي السيناريوهات يمكن أن تقع واي الخطط يمكن أن تطبق في حال وقوع المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة، فإن الإشكالية والأزمة الحقيقية في منطقة الخليج العربي تكمن في الأزمة الناجمة عن وجود نظام الملالي ذاته، فهو نظام غير قادر على الحياة الطبيعية، ولا يصلح للبقاء والتعايش مع جيرانه في ظل مواقفه وقناعاته التي لا يصدر أي إشارات حول رغبته في تغييرها أو التخلي عنها تماشياً مع الظروف والمتغيرات الراهنة.
الحقيقة الواضحة للعيان أن النظام الإيراني لا يؤمن بمبادىء الأمم المتحدة التي وقعت بلاده على ميثاقها وتعترف بقوانينها، فهو يرى العالم من منظور خاص به لا يعترف بكل منظومة القوانين والقواعد والمبادئ الدولية، ولا يتذكر هذه المنظومة سوى حين يتعرض لأزمة تهدد بقائه ووجوده السياسي، فيستعين بالحديث عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من باب توظيف هذه الورقة في الصراع مع الآخر بغض النظر عن قناعته وإيمانه بدور المؤسسات الدولية في تحقيق الأمن والاستقرار.
قد يقول قائل: كيف لي أن احكم على نظام الملالي بهذا الحكم أو كيف توصلت إلى هذا الاستنتاج؟ لن استدل في الرد على ذلك سوى ببعض الشواهد والبراهين أولها وأهمها على الاطلاق سلوك البلطجة الإقليمية التي يقودها النظام الإيراني، إذ لا توجد دولة في العصر الحديث تتباهى باحتلال أربع عواصم عربية لدول ذات سيادة وبعضها يفوق إيران عراقة وتاريخاً، فهذه الممارسات الاحتلالية اختفت تدريجياً مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، بل والمثير للسخرية أن هذا النظام ذاته يزعم السعي لتحرير فلسطين من قبضة الاحتلال الإسرائيلي، أليس الأولى به أن يحرر ملايين العرب الذين سمح لنفسه بأن يحتل عواصمهم ويعيد هندسة مدنهم ديموجرافياً بعشرات الآلاف من المرتزقة الذين يجلبهم ويقوم بتوطينهم في مدن سوريا والعراق.
نظام الملالي الذي قام على فكرة تصدير الثورة لا يمكن له أن يعيش بشكل طبيعي وسط دول الجوار، فهو نظام اقصائي متغطرس يمتلك رؤية ثيوقراطية تجعل من المنطقة بحيرة من الفوضى والاضطراب المزمن، وهذه السلوك ليس جديداً عليه ولكن الجديد هو تفاقم هذا السلوك وبلوغ ذروته وانتهاء فاعلية كل محاولات الاحتواء التي سعت من خلالها دول المنطقة وحلفائها من القوى الكبرى تفادي الصدام مع هذا النظام.
وبمرور الوقت تزداد خطورة هذا النظام ويتحول إلى كائن مدمر، لا يجيد حساب عواقب تصرفاته وسلوكياته، فتارة يحتل عواصم وتارة أخرى يمول ميلشيات عميلة لاحتلال دولة، وتارة ثالثة يوجه عملائه لاستهداف عصب اقتصادات الدول المجاورة كما فعل مؤخراً في استهداف منشآت النفط السعودية وسفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الامارات، وبمرور الوقت أيضاً تصبح السيطرة على هذا النظام أكثر تعقيداً وأشد صعوبة، وقناعتي أن الملالي لو خرجوا من هذه الجولة بمجرد الإبقاء على النظام في إطار صفقة ما مهما كانت التنازلات التي سيقدمونها، فإن سلوكهم سيزداد عدوانية، لأن لديهم ما يخفونه دائماً، وقد رأينا كيف انتهى سوء تقدير الإدارة الأمريكية السابقة وتوقيعها الاتفاق النووي مع إيران إلى تعميق حالة الفوضى والارباك الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.
التردد في لجم جموح نظام الملالي سيزيد حالة الفوضى ولن يسهم في سوى في استمرار حالة الارباك في الشرق الأوسط، فالملالي يدركون تماماً أن جيرانهم في دول مجلس التعاون لديهم مايخافون عليه من استثمارات ضخمة وبنى تحتية هائلة التكلفة وحصاد سنوات وعقود من العمل والتنمية، بينما يبدو سلوك الملالي أقرب للميلشيات الانتحارية التي لا تخشى عواقب تصرفاتها ولا تحسب لسلوكها السياسي أي حساب، لأن الشعب الإيراني ليس ضمن هذه الحسابات من الأساس، لذا فقد فشلت كل استراتيجيات جذب هذا النظام إلى مربع الدولة الطبيعية، فلن يتحلى الملالي عن نظرية المؤامرة ولا عن شعاراتهم التي تمثل الوقود لجذب المؤيدين والاتباع وخداعم بأوهام المقاومة والدفاع عن المظلومين وغير ذلك من أوهام يتاجر بها هذا النظام منذ أربعة عقود مضت.
الأزمة الحقيقية في منطقة الخليج العربي ليست في احتمالات الحرب والسلام، ولا في وصول حاملات الطائرات والقاذفات النووية، بل في وجود نظام يقتات على الازمات ويربط مصيره ووجوده بقدرته على إشعال الحرائق وتوسيع دائرة التأزم والأزمات.