لا تحتاج العلاقة الجدلية بين "حزب الله" ونظام الملالي الايراني والدولة اللبنانية إلى الكثير من الشرح والتفسير، فزعيم الحزب حسن نصر الله يخطب متوعدًا ومهددًا بإشعال حرب اقليمية من دون الرجوع إلى الدولة اللبنانية، ونصر الله الذي سبق وأن عبر عن طموحه لأن يكون لبنان جزء من "الجمهورية الاسلامية الكبرى" التي يحكمها ويتحكم بها قادة نظام الملالي، لا يترك مناسبة ولا خطابًا من دون أن يشدد على الولاء لأوامر وتعليمات المرشد الايراني الأعلى باعتبار الأخير "قائدًا للمقاومة"، من دون أدنى اعتبار للدولة اللبنانية ومصالحها الاستراتيجية وعلاقاتها الاقليمية والدولية!
باختصار الأمر لا يحتاج لتكرار الجهد لاثبات عمق وقوة وتشعّب الروابط الأيديولوجية والتنظيمية والتمويلية بين "حزب الله" اللبناني ونظام الملالي الايراني، إذ تكفي ضغطة واحدة على "زر" الحاسوب للتأكد من تشعب تلك العلاقة وغزارة الدلائل والبراهين والشواهد التي تتثبتها من دون أدنى شك.
صحيح أن "حزب الله" وزعيمه لا يدين بالولاء للدولة اللبنانية، ويصر على إعلان التبعية للمرشد الإيراني الأعلى، ولكن استمرار هذا الازدواج الهوياتي لا يعد فقط نسخة مما يحدث في دول عربية أخرى مثل اليمن والعراق فقط، ولكنه يعكس جوهر الأزمة في هذه الدول، وهو الولاءات العابرة للوطنية والانتماءات الأيديولوجية التي تعمل بالوكالة لمصلحة الملالي.
السؤال الآن: هل يمكن تفكيك المحور الأيديولوجي المسلح الذي يقوده الملالي في الدول العربية؟ وهل يمكن انخراط الميلشيات الطائفية في العراق ولبنان واليمن في جيوش وطنية أو نزع أسلحة هذه الميلشيات واكتفاء أحزابها بالعمل السياسي الوطني؟ الجواب أن نظام الملالي يمتلك مشروعًا طائفيًا اقليميًا واستثمر عشرات المليارات من الدولارات في تحقيق هذا الهدف عبر وكلاء وأذرع طائفية موالية باتت تتحرك بإشارات من قادة الحرس الثوري، ولأن الانخراط في هذه الميلشيات قد أصبح مصدر دخل لمئات الالاف من العناصر في هذه الدول، فإن من الصعب انهاء دور هذه الميلشيات في المستقبل المنظور، ما لم يتم كبح جماح التمدد الايراني في دول الجوار بشكل مباشر أو غير مباشر.
فالحقيقة أن "حزب الله" اللبناني وميلشيا "الحوثي" والتنظيمات الشيعية المسلحة في العراق هي "عرض" للداء الايراني وليست سببًا لهذا الداء، الذي يتمثل في إيمان نظام الملالي بمشروع تصدير الثورة واقامة مايسموه بـ "جمهورية إسلامية كبرى" تدين بالولاء للمرشد الأعلى، وبالتالي فإن تحجيم نفوذ هذا النظام التوسعي وإلزامه بحدود مسؤولياته الدولية، الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، يعتبر خطوة ضرورة لازمة ولكن تبقى فاعلية هذه الخطوة مرهونة، بدرجة كبيرةـ بتكاتف القوى الوطنية في الدول العربية التي تعاني هذه الآفة من أجل التصدي للتدخلات الايرانية المباشرة وغير المباشرة في دولهم، بالاضافة إلى دور القوى الكبرى التي تعاني انقسامات في مواقفها تجاه سلوكيات نظام الملالي سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي، أو التوسع الجغرافي الذي ينتهك سيادة دول الجوار ويضرب بمبادىء الأمم المتحدة وميثاقها، عرض الحائط.
المؤكد أن الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط سيظل حلمًا بعيد المنال طالما بقيت الميلشيات وزعمائها كدول وحكومات وجيوش موازية، والأمر هنا لا يتعلق فقط بتحدي سلطة الدولة ونفوذها بل يرتبط أساسًا بوجود ذراع تمتلك قدرات تسليحية تفوق الجيوش الوطنية في دولها وتعمل وتأتمر بأوامر دول أجنبية!
ولا يجادلني أحدهم بالقول بأن اسرائيل أو صراعها من الفلسطينيين أو الدفاع الأراضي المحتلة هو الداعي لقيام الملالي بنشر هذه الميلشيات الطائفية، فالحشود الشعبية في العراق وجماعة الحوثي في اليمن لا علاقة لها بفلسطين والفلسطينيين حتى وإن دخلوا على خط القضية مؤخرًا بالتلويح بالانضمام إلى حرب اقليمية يقودها مايعرف بمحور المقاومة دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية، فالكل يعرف أن المشروع الايراني لا علاقة له بهذه القضية العادلة، التي يرفع شعارها ويتاجر بها، وقادة هذه التنظيمات والجماعات في مقدمة من يدركون هذه الحقيقة.
اختطاف القرار في بعض الدول العربية من قبل ميلشيات وجماعات وأحزاب موالية لإيران يبقى أحد أخطر المعضلات التي تحتاج إلى حلول عاجلة، والحل لن يكون بالحوار مع نظام الملالي كما يُعتقد، بل يبدأ أساسًا بتقييد حركته وقدرته على تمويل وتسليح هذه الأذرع، أما كيف يحدث ذلك فالبداية لن تكون سوى من خلال وحدة مواقف القوى الكبرى واقتناع الجميع بأن استمرار هذا الوضع يمثل خطرًا لن تكون تداعياته السلبية بعيدًا عن مصالح أيًا من هذه القوى.