لا يمكن لأي مراقب موضوعي لما يدور في منطقة الشرق الأوسط، سوى أن يرحب ويشيد بقرار استراليا بشأن تصنيف "حزب الله" اللبنان بأسره منظمة ارهابية، لتوسع بهذا القرار نطاق العقوبات ضد الحزب حيث كان تصنيفها يقتصر على الجناح العسكري للحزب فقط، وقالت وزير داخلية استراليا كارين اندروز "حزب الله يواصل التهديد بشن هجمات إرهابية وتقديم الدعم للمنظمات الإرهابية"، وأنه "يشكل تهديداً حقيقياً وموثوقاً بع لأستراليا". هذا القرار يمثل ضربة قوية للحزب اللبناني بالنظر إلى موقع استراليا في حسابات "المالية" وأيضاً الاستراتيجية، كونه يعتمد بشكل كبير على التمويل الذي يحصل عليه من أفراد الجالية اللبنانية الكبيرة التي تقيم هناك وترتبط بفكر الحزب وتوجهاته.
تصنيف "حزب الله" منظمة ارهابية ليس جديداً بحد ذاته على الصعيد العالمي، فالحزب ـ كما هو معروف ـ يُصنف ارهابياّ منذ سنوات في دول عدة مثل دول مجلس التعاون والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وهولندا والنمسا وهندوراس وباراغواي والأرجنتين وكوسوفو، وسلوفينيا ولاتفيا وغيرها، وهناك دول أخرى عديدة تصنف الجناح العسكري للحزب في الإطار ذاته، ومواقف هذه الدول لا تعني ـ برأيي ـ براءة الجناح السياسي من الارهاب بقدر ما تعكس رغبة أو حرصاً على إمساك العصا من المنتصف والحفاظ على علاقات هذه الدول بالدولة اللبنانية، نظراً لما يعرفه الجميع عن نفوذ الحزب وهيمنته على الكثير من مفاصل الدولة وقرارتها، ما يعني أن تصنيف الحزب بأسره منظمة ارهابية قد يوازي وضع العلاقات الرسمية مع الدولة اللبنانية على المحك!
الحقيقة التي يعرفها الجميع أنه لا يمكن الفصل في حالات مثل "حزب الله" اللبناني وغيره من الميلشيات الارهابية المنتشرة في الشرق الأوسط بين "السياسي" و"العسكري" فالحزب يلعب دوراً سياسياً مهيمناً على الساحة السياسية والأمنية اللبنانية، وجناحه العسكري لا يمكن التعامل معه أو فصله عن جناحه السياسي، فالكيان ككل يعمل تحت قيادة مركزية موحدة بحيث يحصل جناحه العسكري على تعليماته من قيادته السياسية، وعملياته الارهابية يتم الاعلان عنها على لسان قيادته السياسية، ولا أحد يكاد يعرف اسماً واحداً من أسماء قادته العسكريين؛ فأنشطة الحزب السياسية والعسكرية جميعها تعمل تحت إمرة شخص حسن نصر الله، وبالتالي فمسألة الفصل أو التمييز بين الجناحين، العسكري والسياسي، لاتجدي نفعاً كثيراً، لاسيما أن الأمر لا يتعلق بدولة تمتلك ميلشيا يمكن حظرها ولكن بتنظيم عسكري بالأساس اتجه للعمل بالنشاط السياسي لتحقيق أهدافه داخلياً وخارجياً.
الحقيقة أيضاً أن "حزب الله" اللبناني يمثل نموذجاً للميلشيات العابرة للسيادة الوطنية للدول، فهو ميلشيا دخلت عالم السياسة من بوابة البندقية والترهيب بقوة السلاح، ويستمد معظم نفوذه السياسي من الاذعان لسطوته العسكرية وقدرته على ارهاب الأطراف الأخرى المنافسة، ولو كان ذلك جرمه الوحيد على الساحة اللبنانية لكفى لاعتباره منظمة ارهابية، فالسياسة قائمة على لغة الحوار لا لغة الرصاص، ولكن جرائم الحزب لا تقتصر على الداخل اللبناني، بل يعمل كدولة موازية، ويختطف القرار اللبناني في إدارة العلاقات مع دول العالم ويرتهنه لسلاحه،؛ فنجد قائد الحزب الذي يفترض أنه يحمل هوية لبنانية يجاهر بالتبعية والموالاة للمرشد الايراني الأعلى، ويعلن أنه يأتمر بأمره ويحمي حصونه ويتخذ من لبنان متراساً لصون الأمن القومي الايراني! بل يتدخل عسكرياً في دولة أخرى هي سوريا بتعليمات من الحرس الثوري وليس من القيادة اللبنانية، ويبادر بين الفينة والأخرى لإشعال الجبهة اللبنانية مع الجار الاسرائيلي رغم ما تكبده لبنان من خسائر فادحة على الصعد كافة جراء الحروب التي يشعلها الحزب على جبهة الجنوب اللبناني من دون عائد استراتيجي يذكر أو سبب واضح يرتبط بلبنان ومصالحه الاستراتيجية وسيادته الوطنية سوى أن الحزب هو من يقرر متي يقوم بتسخين هذه الجبهة أو تبريدها لمصلحة طرف خارجي يعلمه الجميع!
"حزب الله" هو معضلة لبنان الأساسية التي تضع مصير هذا البلد العربي في محنة حقيقية، وندرك أن انهاء هذا الوضع لن يتحقق فقط بحظر الحزب خارجياً، ولكنه موقف يسهم في عزل الحزب دولياً ومحاصرة أنشطته وتمويله من الخارج فضلاً عن محاصرة نشاطه السياسي داخلياً، والتصدي لنفوذ هذه الميلشيا السياسية/العسكرية لن يتحقق سوى من خلال توافر إرادة اقليمية ودولية جامعة للتخلص من المخاطر الناجمة عن تفشي أنشطة الميلشيا الارهابية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أن خطرها لا يقتصر على نطاقها الجغرافي، بل يمتد ليشمل تنفيذ عمليات ارهابية في مختلف أرجاء العالم، فمثل هذه التنظيمات والحركات لا تمتلك أجندة وطنية تدافع عنها بشكل فعلي، بل تعمل كذراع عسكري طائفي يأتمر بأوامر مموليه وداعميه في الخارج، وهذا هو الوضع الذي يراه الجميع في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
الشواهد جميعها تؤكد أن فاتورة تحمل أعباء "حزب الله" على كاهل لبنان، الدول والشعب، تزداد، ليس على الواقع السياسي فقط، بل على الواقع الأمني والدولي، حتى أن عودة وجه لبنان الحقيقي الذي يعرفه العالم بات مرهوناً بالخلاص من هيمنة هذا الحزب على السياسة اللبنانية، والشواهد تؤكد أيضاً أن عبء هذه الميلشيات لا يقتصر على لبنان فقط، بل يشمل دول المنطقة والعالم كافة، لما تمثله من أخطار على الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي، ولأنها باتت عامل خطر متزايد، والكل يتذكر تهديد نصر الله بإشعال حرب اقليمية في إطار مايعرف بمحور المقاومة دعماً للنظام الايراني، وهو التهديد الذي قوبل بتأييد من عبد الملك الحوثي زعيم جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن، والذي اعتبر أن ميلشياته "جزءاً لا يتجزأ من المعادلة التي أعلنها حسن نصر الله"!
حظر أنشطة "حزب الله" وتصنيفه ارهابياً خطوة مهمة على طريق مواجهة الأنشطة الفوضوية المعادية للأمن والاستقرار، فهذه الميلشيات هي "السوس" الأخطر الذي ينخر في جسد منطقتنا، كما قلت واكرر دائماً، ومن دون التركيز على مواجهتها واستئصال اطرافها وتفكيك العلاقات بينها وبين مموليها وداعميها وقطع شرايين التواصل والامداد والتمويل فإن الشرق الأوسط سيبقى "مفرخة" للارهاب والارهابيين.