يدرك من يعرف دولة الإمارات جيداً أن ردها على المغامرات العبثية التي تقوم بها جماعة الحوثي، والرسائل التي تحملها الهجمات الآثمة بحسب مايرى بعض المراقبين، سيكون قوياً للغاية، وسيفاجىء الجماعة ورعاتها لأن الإمارات ليست من الدول ذات السلوكيات غير المحسوبة، ولا تميل مطلقاً للممارسات المتهورة في أفعالها أو ردود أفعالها على حد سواء.
الإمارات التي اختارتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منتصف العام الماضي لتكون عضواً غير دائم بمجلس الأمن الدولي للفترة 2022 ـ2023"، تدرك أن على عاتقها مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، فالإمارات التي تلتزم بالعمل المتعدد الأطراف، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة منذ تأسيسها لن تتراجع عن قناعاتها ولا تاريخها ومورث الثقة الاقليمية والدولية الذي تراكم على مدى عقود وسنوات. وإذا أضفنا إذا إلى ذلك الأهداف التي تضمنتها وثيقة مبادىء الخمسين، انطلاقاً من أولوية مطلقة هي تنمية دولة الإمارات، ندرك أن الإمارات لن تنجر إلى صراعات لا تريدها ولن تقبل فرض واقع صراعي اقليمي جديد يصرف أنظارها عن المضي قدماً في رحلة التنافسية التنموية التي تحقق فيها انجازات كبرى.
من هنا فإن الرد الإماراتي على الهجمات العبثية التي تشنها جماعة الحوثي لا يتمثل بالأساس في قيام قواتها المسلحة الباسلة على الفور بتدمير مواقع انطلاق الاعتداءات داخل الأراضي التي تسيطر عليها ميلشيا الحوثي، رغم أن ذلك يأتي في إطار التدابير التي يكلفها القانون الدولي للدفاع عن نفسها لمنع شن المزيد من الهجمات، بل إن الرد الفعلي الأقوى والأنسب على الحوثي وكافة الميلشيات التي تنخر في الجسد الشرق أوسطي، هو تلك الجهود الدبلوماسية التي دشنتها دولة الإمارات بهدف حشد القوى الدولية للتحرك الجاد ضد إرهاب الحوثي العابر للحدود.
وقد جاء المقال المشترك الذي نشره بصحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً كل من يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات في واشنطن ولانا نسيبة المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة، جاء معبراً عن نهج الإمارات الحضاري في التعاطي مع مثل هذه الظروف، حيث دعت الامارات ـ على لسان دبلوماسيّيها البارزين ـ إلى فرض عقوبات صارمة وتبني نهج دبلوماسي صارم في التعامل مع هذه التهديدات التي لا تقتصر على دولة الإمارات، بل تطال مستقبل الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط.
وقد فنّد العتيبة ونسيبة في مقالهما بشكل موضوعي مقنع مبررات ودواعي إعادة إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب القانون الأمريكي، وكيف أن مثل هذه الخطوة باتت مطلباً عاجلاً وملحاً من أجل تصحيح الآثار السلبية المترتبة على رفع اسم الحوثي من قائمة إلارهاب الأمريكية، فالجماعة لم تدرك أن الإدارة الأمريكية الحالية حين اتخدت هذه الخطوة ـ الغاء التصنيف ـ كانت تستهدف تحفيز الحوثي على الإنفتاح على جهود تسوية الأزمة سياسياً، فضلاً عن وجود تصور خاص برغبة واشنطن في تفادي عرقلة المساعدات الانسانية للشعب اليمني، إلى جانب "رسائل" أمريكية استهدفت أطراف اقليمية أخرى، ولكن هذه التصورات جميعها لم تتحقق، بل على العكس تماماً، اعتقد الحوثي وآخرين أن الموقف الأمريكي يعبر عن عجز وتراجع في المكانة والنفوذ، فكان التمادي في المغامرات وتحدي الإرادة الدولية هو رد الفعل الحوثي على الجهود الدبلوماسية المبذولة والمبادرات المطروحة من أجل انهاء الصراع في اليمن والتوصل إلى حلول سياسية تعيد الأمن والاستقرار لهذا الشعب العربي.
ورغم أهمية الدعم والتضامن الدولي والأمريكي القوي والكبير مع دولة الإمارات في مواجهة التهديدات التي تواجه أمنها واستقرارها، فإن إعادة إدراج الولايات المتحدة للحوثي كمنظمة إرهابية سيكون الرد الأقوى والأكثر نجاعة على هذا التغول الارهابي، وستسهم هذه الخطوة في في عرقلة الامدادات المالية والعسكرية التي تحصل عليها جماعة الحوثي من مصادر وأطراف معروفة للجميع، ولكنها في المقابل لن تؤثر في تدفق المساعدات الانسانية المقدمة لليمنيين، ولاسيما من قُدر لهم أن يعيشوا هذه الفترة الصعبة من تاريخ بلادهم في ظل حكم هذه الجماعة الإرهابية المارقة.
في مواجهة الفوضى التي تريد الميلشيات والأذرع الإرهابية نشرها في منطقة الشرق الأوسط، على الأمم المتحدة وواشنطن وبقية القوى الكبرى التمسك بالفرص المتاحة للابقاء على هيبة القانون والمواثيق الدولية، واعادة الاعتبار لمنظومة العمل التعاوني الدولي في مواجهة الارهاب وتنظيماته.