رغم أن قائمة الاغتيالات الإسرائيلية التي تداولتها وسائل الإعلام مؤخراً لم تتضمن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، بل ضمت صورا لعدد من الشخصيات قالت إنها مطلوبة لدولة إسرائيل أبرزها المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني وزعيم حركة حماس يحي السنوار، ونائب الأمين العام لحـزب الله نعيم قاسم وقائد جماعة "أنصار الله" اليمنية عبد الملك الحوثي وقائد فيلق القدس اسماعيل قآني، فإن سلسلة الضربات والخروقات الاستخباراتية التي طالت المؤسسات الأمنية الإيرانية والأذرع التابعة لها، وتحديداً "حزب الله" اللبناني في الآونة الأخيرة، تجعل سيناريو اغتيال خامنئي مطروحاً بقوة، وتدفع الأجهزة الأمنية الإيرانية لتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر، لاسيما في ظل انهيار قواعد اللعبة وخطوط الصراع المتفق عليها ضمناً بين إيران وإسرائيل.
هناك أسباب عدة تضع خامني ضمن احتمالات الاستهداف الإسرائيلية حتى وإن خلت قائمة الاغتيالات المعلنة من اسمه، لأن هذا الاستبعاد يعتبر بحد ذاته مؤشر على احتمالية التضليل والخداع الواردة بقوة في مثل هذه الظروف، أول هذه الأسباب أن القائمة لم تقتصر على قادة عسكريين للحرس الثوري والأذرع الإيرانية بل طالت مرجعاً دينياً شيعياً بحجم السيستاني، وهو أمر لافت للانتباه أن السيستاني ليس بثقل المرشد الإيراني لجهة إدارة الصراع مع إسرائيل وتوجيه الأذرع الموالية لإيران للمشاركة فيما يعرف بـ"محور المقاومة"، فالسيستاني يتبنى وجهات النظر السياسية والأيديولوجية ذاتها تقريباً، وليس لديه سلطة على التنظيمات الشيعية العراقية المقاتلة التي تتلقى أوامرها بشكل مباشر من الحرس الثوري الإيراني، ويمكن القول بأن علاقتها بالسيستاني تقتصر على الجانب الروحي، ولاسيما على صعيد وحدة الصف الشيعي من إيران للبنان وغير ذلك، حيث يلاحظ أن تصريحاته عن الحرب الدائرة بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل تتبنى نفس الخط السياسي الإيراني، ولكنها تركز على تقديم المساعدات وضرورة مساعدة اللبنانيين في مواجهة هذه الأزمة، كما أصدر بياناً عاطفياَ مشحوناً في تأبين حسن نصر الله ووصفه بـ "الشهيد الكبير"، واقام نجليه مجلس عزاء لنصر الله في كربلاء، ولكن يلاحظ أن السيستاني يدعم ويؤيد بقوة عمليات "الاسناد" التي تنفذها الأذرع الايرانية الإرهابية ضد دولة إسرائيل، وهذا الدعم يسهم بشكل كبير في اصطفاف التنظيمات الشيعية الموالية لإيران وقيامها بتنفيذ ضربات صاروخية ضد دولة إسرائيل، وهنا يمكن الإشارة إلى دور السيستاني في حشد القوة الشيعية العراقية إبان فترة مواجهة تنظيم "داعش" الارهابي من خلال فتواه الشهيرة حول "الجهاد الكفائي"، وحشد جميع الفصائل تحت لواء ما يعرف بالحشد الشيعي العراقي، ولكنه في المجمل لا يظهر بشكل مباشر في العلاقة الصراعية بين إيران ودولة إسرائيل، والتي تنطوي على أبعاد تتجاوز الصراع الديني لتطال صراعات الهيمنة والنفوذ الاستراتيجي والصدام المتزايد بين المشروع التوسعي الايراني، ورغبة دولة إسرائيل في ضمان أمنها واستقرارها. وإذا كان السيستاني قادر على حشد معظم الجبهة الشيعية العراقية وليس كلها، فمن باب أولى أن يفكر المرء في أن تدرج دولة إسرائيل خامنئي نفسه على قائمة الاغتيالات لأن الكلفة السياسية والأمنية تكاد تنطوي على فوارق بسيطة في الحالتين، فكلاهما مرجع شيعي قيادي كبير، والغضب الشيعي المتوقع في حال اغتيال أي منهما متقارب بل ربما يكون أكبر في حالة السيستاني بالنظر لعامل الصراع على السلطة داخل الدائرة المقربة من المرشد الإيراني الأعلى.
ثاني هذه الأسباب التي تدفع بخامنئي ضمن دائرة الاستهداف الإسرائيلية يتمثل في اللحظة الزمنية التي تعتبرها إسرائيل غير قابلة للتكرار، سواء من حيث الانتصارات المتوالية التي تحققها على صعيد كسر شوكة إيران وإذرعها الاقليمية، أو من حيث البيئة الدولية والاقليمية الراهنة التي لن تلوح مثلها لإسرائيل في القريب العاجل، حيث تبين أن توالي وتصاعد عمليات الاغتيال الاسرائيلية لقادة بارزين إيرانيين أو موالين لإيران لم تسفر حتى الآن عن كلفة ما يمكنها أن تدفع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لبناء تقديرات معاكسة تؤدي لعدم مواصلة هذه العمليات الجريئة حتى وإن طالت رأس نظام الإيراني.
ثالث هذه الأسباب أن هناك تقديرات استراتيجية ترى أن السيناريو الأقل كلفة والأكثر تأثيراً قد يتمثل في استهداف خامنئي نفسه، لما لهذه السيناريو من تبعات على صعيد إرباك حسابات قادة النظام الإيراني وإشعال صراع داخل دائرة السلطة الضيقة، وتهيئة الظروف لإشعال حراك شعبي مهيىء بالفعل للانقضاض على النظام في ظل حالة الاحتقان التي تتغذى باستمرار على تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية وإشغال البلاد بمواجهات وصراعات خارجية مستمرة.
سيناريو اغتيال خامنئي بات هاجساً إيرانياً حقيقياً، ولم يعد غائباً عن أجهزة الأمن هناك بعد سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت هنية ونصر الله فضلاً عن الشكوك والاسئلة التي لا إجابة لها حول مقتل إبراهيم رئيسي وسقوط طائرته المروحية، وهو ما يفسر التقارير التي أكدت المسارعة إلى نقل المرشد الإيراني الأعلى إلى مكان آمن عقب تلقي نبأ اغتيال نصر الله، حيث بات مؤكداً عمق الاختراق الاستخباري الإسرائيلي لأجهزة أمن الحرس الثوري وأذرعه، ما جعل هاجس الوصول إلى رأس هرم السلطة الإيراني وارداً بقوة لدى الكثيرين وفي مقدمتهم قادة الحرس الثوري نفسه.
عامل الحسم في كل ماسبق يتوقف على رؤية صانع القرار الإسرائيلي لحسابات الأرباح والخسائر التي تجري هذه الفترة لتعظيم عوائد ولة إسرائيل الاستراتيجية من المشهد الاقليمي المضطرب، وهنا فقد قد تتراجع قليلاً ـ برأيي ـ فكرة اغتيال المرشد لمصلحة أهداف أكثر حيوية وأهمية مثل استهداف منشآت البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، وهو أمر يتوقف على القدرة العملياتية الإسرائيلية على تنفيذ ضربة مؤثرة ضد هذه المنشآت من دون احتمالية لتلقي الضربة الثانية، أو يتوافر للحرس الثوري الإيراني قدرة الرد على الهجوم الإسرائيلي المحتمل، حيث يبدو السيناريو في هذه الحالة مفتوحاً أمام جميع الاحتمالات بما في ذلك الحرب الشاملة، لأن تعرض القدرات النووية والصاروخية الإيرانية لضربة فاشلة أو محدودة النتائج والتأثيرات قد يدفع الحرس الثوري لاستخدام جميع القدرات الهجومية المتاحة لديه ضد دولة إسرائيل من دون كوابح أو حسابات سياسية.