فيما يتعلق بموقف إسرائيل تجاه أي إتفاق إيراني ـ أمريكي محتمل، يقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "موقفنا واضح، أي إتفاق مع إيران لن يكون ملزما لإسرائيل التي ستفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن نفسها"، لكن يبدو أن هناك تغلغل أو تمدد لفكرة القبول الإسرائيلي بصيغة تفاهم يتم الإعداد لها بين واشنطن وطهران بوساطة أطراف مختلفة منها سلطنة عمان، حيث ترى بعض الشخصيات الإسرائيلية البارزة أن "التفاهم" يمكن أن يكون أخف وطأة من صيغة الإتفاق، رغم أن الإطار العام للموضوع في جميع الأحوال يكمن في التوصل إلى توافق حول إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وتجديد بنوده، ولاسيما مايتعلق بالقيود الخاصة بتخصيب اليورانيوم في منشآت إيران النووية.
رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست، يولي إدلشتاين، ذكر في حديث مع برنامج على "قناة 12" الإسرائيلية "إنها ليست إتفاقية بمفهومها الواسع إنها أشبه باتفاق صغير، أو مذكرة تفاهم.. وأعتقد أن إسرائيل يمكن أن تتعايش مع هذا إذا كان هناك إشراف حقيقي"، وبحسب تقارير إعلامية فقد رفض مكتب رئيس الوزراء نتيناهو التعليق على تصريحات إدلشتاين وإلى أي مدى تعكس وجهة نظر الحكومة، وهو ما يعني أن هناك مساحة من التفاوت في وجهات النظر داخل إسرائيل على المستويات الحكومية والتشريعية والحزبية، وهذا بحد ذاته أمر جيد يصب في مصلحة الولايات المتحدة ولا يجعل الموقف الإسرائيلي متعنتاً بالنظر إلى وجود هامش مناورة مناسب يمكن التحرك خلاله للوقوف على أرضية إسرائيلية ـ أمريكية مشتركة بشأن مسألة الاتفاق النووي.
الثابت في المسألة أنه لا إسرائيل، بغض النظر عن هوية التكتل الحاكم، يمكن أن تذهب إلى حد المغامرة بعلاقاتها الوثيقة للغاية مع الحليف الأمريكي، ولا واشنطن، بغض النظر أيضاً عن هوية الحزب/ الشخصية الحاكمة، يمكن لها ان تغامر بالتضحية بعقد إتفاق يضر بأمن ومصالح إسرائيل، لاسيما ونحن نقترب من عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية (2024)، وما يحدث هو أشبه بالتجاذب التكتيكي الذي يصب في مصلحة الحليفين، فالمفاوض الأمريكي يستطيع توظيف الرفض الإسرائيلي المتكرر لتجديد الاتفاق النووي في الضغط على إيران ومحاولة انتزاع أقصى حد من التنازلات، وهو مايصب بالتبعية في مصلحة تحقيق هدف ضمان امن إسرائيل في مواجهة الشعور بالتهديد النووي الإيراني، والعمل على تحييد هذا التهديد أو تأجيله من دون أن تفقد إسرائيل هامش المناورة التكتيكي الذي استطاعت انتزاعه من خلال التأكيد المتكرر على عدم التزامها بأي إتفاق تتوصل إليه الولايات المتحدة مع إيران بشأن البرنامج النووي.
الأرجح أن تلازم المسارات بين رفض الالتزام بأي إتفاق امريكي ـ إيراني من ناحية، والضغط من أجل تشديد شروط أي إتفاق يتم التوصل إليه في هذا الشأن، بل والتخفيف من صيغته ليندرج ضمن صيغ/ مذكرات التفاهم وليس الاتفاقات الرسمية، بحيث يمكن لأي إدارة أمريكية مقبلة التنصل منه مستقبلاً، هذا التلازم يصب في مصلحة إسرائيل، ولكنه يصب بالمقابل في مصلحة إيران، التي يمكنها أيضاً التنصل من أي تفاهمات محتملة، ونعتقد ان المفاوض الإيراني يمكن أن يمرر هذه الصيغة لكونها أخف في درجة الإلزامية، التي تكاد تكون معدومة باعتبار الأمر كله قائم على قاعدة الاحترام المتبادل ولا يمكن الاحتكام للقانون الدولي في حال أي خرق له، كون مذكرات أو برتوكولات التفاهم هي مرحلة تمهد للمعاهدات والاتفاقات بين الدول، وبالتالي فهي ليست ملزمة من الناحية القانونية، ويعتبرها الخبراء بمنزلة "إتفاق محتمل" وليست اتفاقاً فعلياً.
في مجمل الأحوال، فإن إسرائيل توظف جيداً موقفها بشأن الخطوات الأمريكية حيال إيران على صُعد أخرى، فنحن نتابع الجهد الأمريكي المكثف لاستكمال مسيرة إتفاقات السلام مع بقية الأطراف العربية والخليجية، ولاسيما المملكة العربية السعودية، التي يحظى التطبيع معها باهتمام استثنائي للغاية من الجانبين الإسرائيلي والأمريكي. ولاشك أن انتفاء فكرة العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، واللجوء إلى صيغ بديلة يمثل في أحد جوانبه انتصاراً للدبلوماسية الإسرائيلية باعتبارها أحد أبرز الضالعين في الضغط من أجل طي صفحة هذا الاتفاق وعدم العودة إليه، في حين أن التوصل إلى أي صيغة تفاهم مع إيران هو أيضاً خطوة تسعى إليها إدارة الرئيس بايدن في إطار سعيها لمراكمة بعض الانجازات على صعيد السياسة الخارجية، التي لا يزال سجلها فيها ضعيف للغاية.
على الجانب الإيراني نجد أن طهران ستكون رابحة تماماً في حال التوصل إلى إتفاق مع وشنطن بغض النظر عن طبيعة الإطار التوافقي وما إذا كان مذكرة تفاهم أم إتفاق رسمي أو أي إطار آخر لأن أي إتفاق سيتصدره بند حصول إيران على الأموال المجمدة في الخارج ورفع جزئي/ أو كلي للعقوبات الأمريكية مقابل إستئناف التزامها بخفض مستويات تخصيب اليورانيوم إلى حدود اتفاق 2015، والذي ينص على السماح لإيران فقط بإنتاج يورانيوم منخفض التخصيب، لا يزيد تركيزه على ثلاثة أو أربعة في المئة من نظائر "يو-235"، والتي يمكن استخدامها في إنتاج وقود صالح للمفاعلات النووية، كما ينص على أن تحتفظ إيران بمخزون لا يتجاوز 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، وكلا الشرطين تم تجاوزهما بالوصول إلى معدلات تخصيب فوق 60%، فضلاً عن كميات يورانيوم منخفض التخصيب تزيد بمراحل عن 300 كيلو جرام، وبالتالي فإن مسألة إستئناف القيود المفروضة على البرنامج النووي تبدو مسألة شكلية للغاية في حقيقة الأمر سواء بفعل صعوبة التأكد من درجة الالتزام من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأسباب مختلفة، أو لأن المعضلة لا تكمن في الكميات والمخزونات بقدر ما تنبع من امتلاك التكنولوجيا النووية ذاتها.
المحصلة برأيي أن أي صيغة تفاهم قد يتم التوصل إليها بين واشنطن وطهران لا تمثل بالفعل قيداً استراتيجياً على إسرائيل، التي ترى في ترسيخ وتأكيد قدرتها على التحرك لحماية أمنها واستقرارها، أحد الضمانات المهمة لردع إيران عن مواصلة تخصيب اليورانيوم، والابقاء على هامش حرية الحركة الإسرائيلية في التعامل مع التهديد النووي الإيراني بوسائل غير تقليدية مثل الهجمات السيبرانية وغيرها.