لم يعد هناك ما يمكن الرهان عليه للتكهن بأن أي اتفاق تهدئة سيطوي صفحة الحرب في غزة، حيث تؤكد الشواهد الراهنة أن الأزمة التي اشتعلت منذ الهجوم الدموي والإرهابي لحركة حماس الإرهابية في السابع من أكتوبر، لا يزال أمامها الكثير من المراحل، بل إن الأسوأ لم يأت بعد فيما يبدو.
معضلات عدة يمكن النقاش فيها ترتبط جميعها بما يحدث في غزة أهمها وفقاً للترتيب المتوقع للأحداث ماسيحدث بالقطاع في حال حدوث اجتياح إسرائيلي تتشبث به حكومة نتنياهو كونه بات الضمانة الوحيدة لاستمرارها في ظل تهديدات بعض أعضائها بمغادرة الائتلاف في حال التخلي عن خطة الاجتياح المعتمدة رسمياً.
وإحدى النقاط الجدلية تتمثل في التقديرات الإسرائيلية الخاصة بأن الحرب في غزة يمكن أن تستمر لسنوات، وشخصياً لا نرى أي منطقية في هذا التقدير بالنظر إلى معطيات الواقع وما يتوافر لنا من معلومات متاحة، وإذا كان القضاء على حماس الإرهابية واجتثاثها من القطاع فماهي المعطيات التي انطلق منها التخطيط الأولي للحرب.
السؤال المحوري في هذا النقاش هو: كيف ينظر نتنياهو وحكومته للمستقبل بشكل فعلي؟ وهل يأخذ هؤلاء بالاعتبار كل ما كتب ونشر من تحليلات ودراسات بشأن نتائج التصعيد الايراني ـ الإسرائيلي ولاسيما مايتعلق بامكانية تشكيل تحالف اقليمي دفاعي تشارك فيه دولة إسرائيل؟ وهل حسم نتنياهو وحكومته أمرهم من وجهة النظر التي طرحها بعض الخبراء الغربيين بشأن ضرورة المفاضلة بين اجتياح رفح وتطبيع العلاقات مع السعودية؟ وفي هذا المفاضلة تتقاطع الأولويات الإسرائيلية والأمريكية نسبياً، فكلاهما يتفقان على أهمية تطبيع العلاقات بين دولة إسرائيل والمملكة العربية السعودية باعتبار ذلك اختراقاً دبلوماسياً نوعياً كبيراً، ولكن التوقيت يضع هذه الخطوة في مرتبة ثانية بالنسبة لإسرائيل، بينما يبدو هذا الخيار أولوية قصوى ملحة وعاجلة للرئيس بايدن الذي لن ينقذه في نوفمبر المقبل سوى انجاز سياسي كبير يصب في مصلحة دولة إسرائيل والولايات المتحدة معاً، ويتمثل في اتفاق شامل مع الرياض يستهدف إعادة ترتيب الأوضاع الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق مع توجهات السياسة الخارجية الأمريكية ورؤيتها لعالم مابعد أوكرانيا.
الشواهد تقول إن نتنياهو لا يبدو مهتماً كثيراً بالأفكار التي طرحتها الولايات المتحدة، التي تقوم على تطبيع العلاقات مع السعودية والتقدم نحو إقامة الدولة الفلسطينية، بعد التوقف الكامل للحرب ضد حماس الإرهابية التي تعد الفصيل الإيراني المتقدم، ويرى أن وقف الحرب الآن يعني تجاهل دروس السابع من أكتوبر ومنح "حماس الإرهابية" قبلة الحياة لارتكاب مجزرة أخرى ضد الإسرائيليين، وهذه معضلة حقيقية بالنظر لأن الواقع الفعلي يقول إن بقاء "حماس" في رفح وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع يعني القبول باللانتائج للحرب رغم كل التبعات التي حدثت بالفعل لاسيما على صعيد علاقات إسرائيل وسمعتها دولياً.
في المشهد التحليلي الأوسع، يبدو وضع دولة إسرائيل مرتبكاً إذا فشلت في هزيمة أحد أذرع إيران الميلشياوية، وسيصبح الوضع بمنزلة انتصار استراتيجي لما تسميه إيران بمحور المقاومة، وانعكاسات ذلك لن تقتصر على إسرائيل بل على دول الاقليم بأكملها، حيث سيكون الأمر أشبه بضوء أخضر ضمني لإيران للمزيد من العربدة والتمرد براً وبحراً وجواً في الشرق الأوسط.
الحقيقة التي لا يمكن التشكيك فيها أن الدول العربية تدرك أن مقاربة العلاقة مع كل من إيران وإسرائيل تضعها تلقائياً في مفاضلة ترفضها ولا تريدها، ولذلك تمضي هذه الدول على خيط رفيع من الحذر حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي.
منطقتنا تعاني من الأساس جراء التوظيف المتطرف للدين من جانب تنظيمات أيديولوجية معروفة تستغل كل ما يحدث في شحن وتأجيج عواطف الشعوب لتصفية حسابات خاصة مع أنظمة الحكم القائمة.
حماس بعد إغلاق معبر رفح البري باتت في أسوأ مواقفها العملياتية تعقيداً ومحاصرة فعلياً من كل الاتجاهات، ولم يعد أمامها سوى خيارات انتحارية محدودة للغاية، وحكومة نتنياهو ـ في المقابل ـ لا تستطيع وقف الحرب بعد سبعة أشهر دون تحقيق نتائج حقيقية، والعرب أيضاً محاصرون بخيارات طرفي الصراع. والرئيس الأمريكي بات يدفع ثمناً فعلياً متزايداً من شعبيته وربما يكون ضحية لهذه الحرب في انتخابات نوفمبر المقبل.
تحليلي للشواهد أن الجميع في منطقتنا، ولاسيما إسرائيل محتاجون للقضاء على الفصائل والأذرع الإيرانية إحد أهم مسببات عدم الاستقرار والإرهاب، ولتفادي ماهو أسوأ وتفويت الفرصة على بعض الأطراف المشبوهة التي تدفع المنطقة دفعاً للإشتعال.