في عالمٍ تتقاذفه رياح التغير، وتُمزقه الصراعات، وعندما نرى ونشاهد يوميا دولا عربية تتشظى داخليا وينهش الشعب بعضه بعضا، يزداد شعورنا بأهمية الترابط المجتمعي والوحدة الوطنية. فهاتان القوتان هما أساسٌ متينٌ لِبناءِ مجتمعٍ مُزدهرٍ، ودولةٍ قويةٍ، وشعبٍ مُتحدٍ في مواجهة التحديات. ويُشكل الترابط المجتمعي ذلك النسيجَ المتينَ الذي يربطُ أفرادَ المجتمعِ ببعضهم البعض، ويُوحّدُ قلوبَهم، ويُلهمُهم العملَ من أجلِ الصالحِ العام. بينما تُمثل الوحدة الوطنية ذلك الشعورَ العميقَ بالانتماءِ للوطنِ، والالتزامَ بقيمهِ ومبادئهِ، والشعورَ بالمسؤوليةِ تجاهَ تقدمهِ وازدهارهِ.
الترابط المجتمعي والوحدة الوطنية هما قوتانٌ لا غنى عنهما في مواجهةِ التحدياتِ التي تُواجهُنا اليوم. ففي ظلّ انتشارِ التطرف ونفثِ سمومهِ عبر خطابِ الكراهيةِ، وتغذيةِ الانقساماتِ لأغراضٍ سياسيةٍ، باتتْ شعوبُنا تُواجهُ خطرَ التفككِ والانقسامِ.
الانقسامات التي نشاهدها ونتابعها بقلق واهتمام بين أبناء الشعب الواحد والوطن الواحد ليست ظاهرة عابرة ولا طارئة تاريخيًا في المشهد السياسي على المستوى الكلي أو الفردي بشكل عام، ولكنها تفاقمت وتوغلت في العديد من الدول العربية، حيث عززت التنظيمات الإرهابية المتطرفة والدول الراعية لها، وكذلك الدول الإقليمية التي تمتلك مشروعات هيمنة توسعية، عوامل التفتت والانقسام الطائفية والدينية والعرقية، ما تسبب في انزلاق بعض الدول إلى صراعات طائفية وعرقية، وكادت دول أخرى تسقط في فخ الحرب الدينية على أساس ديني.
بلاشك أن هناك "صدوعات تاريخية" لا تزال تنزف ومنها العرق والدين، وأن أفكار التعايش وقبول الآخر ونبذ الكراهية والتعصب لا تزال بحاجة إلى مزيد من الجهد المؤسسي المتواصل من أجل تعميق جذورها وتثبيتها وتناقلها بين الأجيال. إن فهم تاريخ الصدامات بين الثقافات والمجتمعات يساعد في تشخيص أسباب الانقسامات الحالية وتحديد الحلول المناسبة. لكن في نفس الوقت، يجب على القادة السياسيين والمجتمع الدولي أن يتجاوزوا هذه الصدوع التاريخية ويعملوا على تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان. إذا لم تتم مواجهة الانقسامات المجتمعية بشكل جدي، فإن استمرارها قد يهدد أسس الدولة الوطنية ويقوض الاستقرار والسلم العالميين. إن استمرار الصراعات الداخلية في بعض الدول يمكن أن يتسبب في انتشار الفوضى والتطرف، مما يؤثر سلبًا على الاستقرار الإقليمي والدولي.
إنه من المشين والمعيب انه منطقتنا العربية تعاني هذا التشتت الداخلي والاقتتال اليومي، ولعلنا هذه الدول العربية تحتاج الى قيادات تحمل رؤية واعية لمستقبل شعوبها وسكانها، وهنا نعتقد انه لحل هذه الأزمة المتفاقمة، ينبغي على المجتمع الدولي العمل سويًا على تطبيق حلول شاملة وفعالة. يمكن أن تشمل هذه الحلول الدفع بالتركيز على تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى تعزيز دور المؤسسات التعليمية والثقافية في ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش.
الصدوعات والانقسامات المجتمعية ليست آفة دول بعينها، ولكنها باتت آفة عالمية، وكذلك فمن الحلول والبدائل المهمة للتعاطي معها يتمثل في التصدي بمزيد من الأدوات والآليات القانونية الصارمة لكافة أشكال وممارسات الكراهية والتعصب ورفض الآخر وأي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس، والأهم من ذلك العمل على لجم أو استئصال التيارات المتطرفة كافة، التي تغذي الانقسامات وتعمل على اثارة النعرات والأحقاد وتغذيتها باعتبارها البيئة الملائمة لنمو هذه التيارات لأن البديل لذلك سيكون التضحية بأسس الدولة الوطنية وتقويضها في العالم أجمع، فيما قد يمثل خسارة فادحة لأحد أهم المكتبسات التي حققتها مسيرة الأمن والسلم العالميين منذ أن اتخذت من الدول الوطنية أساسًا للاستقرار والتوصل إلى تفاهمات عالمية حول الأمن والسلم الدوليين من خلال المؤسسات الأممية وغير ذلك.
إن مواجهة الانقسامات المجتمعية تتطلب جهودًا شاملة وتضافرًا عالميًا، ويجب أن نتعلم من التاريخ ومما يحدث ويحصل حاليا ونعمل معًا على تغيير الأفكار الجامدة وبناء مجتمعات أكثر تلاحمًا وتسامحًا، وعليناان ندرك انه في نهاية المطاف، فإن الوحدة والتضامن هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام العالميين.