جاء فوز المملكة العربية السعودية بتنظيم مؤتمر "اكسبو 2030" كأحد أبرز الأحداث الإقليمية التي يمكن أن تنتشل المرء من أجواء الإحباط التي تغمر الكثيرين في منطقتنا جراء الحرب الدائرة في غزة، حيث يمكن لمثل هذه الأخبار أن توفر بصيص من الأمل في نهاية النفق لمستقبل منطقة الشرق الأوسط التي لا يريد لها بعض المغامرين أن تحقق أحلامها التنموية وتبني ومستقبل أفضل لأجيالها المقبلة.
الصراع في غزة ليس الصراع الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، بل هناك صراعاً موازياً ربما لا يقل عنه أهمية، رغم اختلاف الأدوات والأدوار، وهو الصراع بين الماضي والمستقبل، أو بين التنمية والعنف، وبين دعاة السلام والاستقرار ومروجي العنف والفوضى، وبمعنى أدق بين أن تمضي منطقتنا على طريق البناء والتنمية والرخاء والازدهار، وبين أن تغرق في العنف والحروب والصراعات والتوترات، والخبر الجيد أن هناك في منطقتنا من يستطيع أن ينير لنا دائماً شمعة في أحلك الأوقات والفترات التي تمر بها، وقد حدث ذلك في استضافة دولة الإمارات لقمة "كوب 28" بتنظيم مبهر، وتتويج الجهود السعودية بالفوز بتنظيم "أكسبو 2030"، فضلاً عن قدرة الدبلوماسية القطرية على تحقيق اختراقات نوعية في حرب غزة من خلال ترتيبات الهدنة التي لم تستمر ولكنها وفرت فرصة لالتقاط الأنفاس وتقديم المساعدات الانسانية اللازمة للمحتاجين في القطاع.
أهمية فوز المملكة العربية السعودية بتنظيم "أكسبو 2030" أنه يتوج جهد سنوات من العمل الدؤوب ضمن رؤية المملكة "2030"، ويتوج هذا الجهد ويوفر للمملكة فرصة عالمية كبرى لإطلاع العالم على ماتحقق خلال هذه السنوات من تطور وتغير تنموي نوعي هائل يجري العمل عليه حالياً في كل ربوع المملكة العربية السعودية. ثمة نقطة أخرى مهمة برأيي تتمثل في أن التصويت لمصلحة المملكة العربية السعودية يعكس ثقة العالم في قدرة الرياض على تنظيم هذا الحدث العالمي الكبير، فضلاً عن دعمه القوي لخطط المملكة ورؤاها التنموية، حيث باتت المملكة العربية السعودية قوة تنموية صاعدة سواء من خلال وجودها ضمن مجموعة العشرين أو انضمامها إلى تكتل "بريكس"، أو دورها الفاعل في إطار منظمة "أوبك" و"أوبك+"، والتي تلعب فيها الرياض دوراً مؤثراً في ضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية.
من يتابع خطط تطوير المدن السعودية يدرك بوضوح أن هناك طفرة تنموية هائلة تنتظر المملكة العربية السعودية في غضون السنوات القلائل المقبلة، سواء على صعيد البنى التحتية أو الاستثمارات، ويكفي الإشارة إلى أن الرياض تنفذ وحدها 68 مبادرة باستثمارات تقدر بنحو 92 مليار دولار لتصبح واحدة من أكثر مدن العالم استدامة، حيث يتوقع أن تكون استضافة "اكسبو 2030" قاطرة جديدة تضاف إلى محركات التنمية الاقتصادية السعودية القائمة، حيث تتحول مثل هذه الأحداث العالمية الكبرى إلى هدف استراتيجي تعمل عليه الدول المنظمة لتعظيم عوائده الاقتصادية والاستثمارية.
ثمة مؤشر حيوي يتعلق بأن التصويت لمصلحة استضافة المملكة العربية السعودية لمعرض "اكسبو 2030" هو في حقيقة الأمر تصويت عالمي بالثقة ليس في قدرات المملكة التنظيمية فقط بل كذلك في قدرتها على قيادة العالم نحو المزيد من التواصل والتقارب وبناء الجسور في المجالات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والاستثمارية، حيث يعد "اكسبو" الحدث العالمي الأبرز الذي يمتد تاريخه لأكثر من قرن ونصف القرن، وهنا تكمن قيمة العنوان الذي اختارته المملكة العربية السعودية للمعرض وهو "معاً نستشرف المستقبل"، حيث يمكن للمملكة أن تقدم للعالم الكثير من الخبرات والدروس التنموية بعد أن تكون قد توجت نحو عقد من التغيير، حيث يعد المعرض منصة عالمية كبرى لاستعراض مخرجات التفكير الإبداعي في مجالات كثيرة ومنها فنون العمارة والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة والسياحة والصناعات المبتكرة . وهنا يلاحظ أن المملكة خصصت اكثر من 350 مليون دولار تقدم كدعم لأكثر من 100 دولة نامية لتحفيزها على المشاركة في معرض الرياض اكسبو 2030، في تجسيد لرغبة المملكة العربية السعودية وقيادتها على تقديم نسخة غير مسبوقة من هذا المعرض التاريخي، الذي ينظم للمرة الثانية في الشرق الأوسط.
"اكسبو الرياض 2030" هو نقلة نوعية جديدة لن يقتصر مردودها الايجابي على المملكة فقط، بل يطال منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ويدفع باتجاه التنمية والاستقرار ويحقق هدفاً مهماً في مرمى دعاة العنف والفوضى، ولمصلحة ثقافة التعايش والانفتاح وترسيخ السلام والأمن والاستقرار، حيث تتطلع شعوب المنطقة جميعها لمثل هذه المبادرات الرائدة، التي تمنح الشباب آمالاً في مستقبل أفضل، وفي أن هناك من يعمل على تهيئة الأجواء كي تعيش الأجيال المقبلة بأمن وسلام وتنعم بخيرات دولها ومواردها، فضلاً عن أن المعرض يوفر للمملكة العربية السعودية فرصة ثمنية لترسيخ دورها المحوري ومكانتها الاستراتيجية الكبيرة اقليمياً ودولياً.