لا يكف الإعلام القطري عن تشويه صورة الإمارات والسعودية ومصر بمناسبة ومن دون مناسبة، رغم أن أي تناول موضوعى لما جرى فى منطقتنا العربية منذ عام 2011 يؤكد أنه لولا تكاتف الدول الثلاث والمساندة الأخوية الصادقة من جانب السعودية والإمارات للشعب المصري الشقيق لما استقرت الأوضاع في أكبر بلد عربي سكاناً، ولولا مساندة الدول الثلاثة لأشقائهم في دول أخرى لأصبحت في طي النسيان، ولكن لأن النظام القطري لا يريد للشعوب العربية استقراراً ولا يرى لها حكماً سوى من خلال تنظيمات الإرهاب
التي يرعى رموزها وقادتها، فإنه يعمل جاهداً على تشويه أي خطوة تتخذها الدول الثلاثة من أجل الحفاظ على ما تبقى من الدول العربية.
لم تتحدث السعودية أو الامارات عما جرى في الجزائر أو السودان من بداية الأحداث احتراماً لخيارات الشعوب وتفادياً لأي تأويلات قد تروج لها الفضائيات المعادية في لحظة تاريخية تطغى عليها الحساسيات الوطنية المفرطة، وباعتبار ذلك شأناً داخلياً يخص شعوب عربية شقيقة هي أدرى بشؤونها، ولديها من المؤسسات والقادة من يستطيع إدارة شؤون البلاد في مثل هذه الفترات الانتقالية المشوبة دائماً بالقلق والحذر والشكوك والتوترات.
لم يطالع أحد بيان رسمي إماراتي بخصوص ما يجري في السودان، منذ إزاحة الرئيس السابق عمر البشير عن السلطة وتولي نائبه الأول وزير الدفاع عوض بن عوف الحكم لمدة يوم ما لبث بعدها أن تنحى تاركاً رئاسة مجلس الحكم الانتقالي للفريق عبد الفتاح هارون، الذي تبنى مطالب المتظاهرين من أبناء الشعب السوداني الشقيق.
ولكن عندما ظهرت بوادر الاستقرار والتوافق حول المرحلة المقبلة، أعلنت دولة الامارات ترحيبها بتسلم الفريق عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي وأعربت عن ثقتها في قدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني على تجاوز التحديات، ووجّه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بالتواصل مع المجلس العسكري الانتقالي لبحث مجالات المساعدة للشعب السوداني، في خطوة تعكس علاقات الأخوة والروابط التاريخية التي تربط الامارات بالسودان، وهي علاقات قوية ويعرفها الجميع جيداً، ولا مجال للمزايدة في ذلك، علاوة على أن ما يحدث من حولنا في المنطقة العربية يستحق من الامارات كل متابعة واهتمام ويدفعها للعمل على تعزيز الاستقرار في الدول التي تشهد تغيرات استراتيجية مثلما يحدث في السودان الشقيق.
لا جدال في أن قيادة المراحل الانتقالية في الدول مسألة صعبة ومعقدة، ولا تحتاج للشعارات بقدر ما تحتاج لعمل وطني جاد، والشعوب العربية باتت ترى جيداً ان جيوشها الوطنية هي الضامن الوحيد للأمن والاستقرار في ظل شبح الاضطرابات والفوضى الذى يهدد الدول والشعوب في حال دخول مرحلة انتقال السلطة من دون ضوابط محددة ودقيقة.
ودولة الإمارات تدرك جيداً أن التنمية هي المدخل الأساسي للأمن والاستقرار، فالشعوب التي تحركت بحثاً عن فرصة عمل شريفة وتعليم جيد وخلاص من الفساد لا يمكن لها أن تقع فريسة لإخفاقات تنموية جديدة، ولا أن تغرق في موجات من الفوضى والاضطرابات، او تترك المجال لأصحاب المخططات والمشروعات الأيديولوجية للمتاجرة بأحلام وتطلعات الملايين من شعوبنا العربية.
عندما تتحرك الإمارات والسعودية نحو دعم المجلس الانتقالي في السودان، فهو لا يعد تحركاً نحو فرض أجندات أو مشروعات كما يفعل البعض في منطقتنا مثل إيران وتركيا، أو كما يروج الإعلام القطري والإخواني الذي لا يكف عن تشويه أي خطوة إماراتية أو مصرية أو سعودية في اتجاه الحفاظ على البقية الباقية من مكتسبات دولنا وشعوبنا العربية، والاتهامات والتخرصات والشائعات في هذا السياق جاهزة ومعدة مسبقاً، ولكن قادة هذه الدول يدركون جيداً ثمن التردد والفاتورة الباهظة للصمت على أصحاب الأجندات التخريبية في منطقتنا، لذا فإن دعم دولة شقيقة مثل السودان في تحقيق تطلعات شعوبها وضمان أمنها واستقرارها في هذه الظروف الصعبة التي تواجهها بات فرض عين سياسي، وليس نوع من الوجاهة أو التضامن الكلامي، ومن هنا جاء الإعلان عن الرغبة في التواصل مع المجلس العسكري بجمهورية السودان لتلبية أي احتياجات مرحلة تسهم في تجاوز هذه المرحلة بكل اعبائها واستحقاقاتها، أخذا بالاعتبار أن الأشقاء في السودان أوعى وأكثر خبرة وحنكة من أن تفرض عليهم شروط او املاءات، والجميع يدرك عمق الوعي السياسي والتاريخي للشعب السوداني الشقيق، ولاشك أن من المزايدة والتخريف السياسي اتهام دولنا بالسعي للتأثير في خيارات شعب ندرك جميعاً أنه يعرف طريقه جيداً ولدى نخبه السياسية والعسكرية والأمنية ما يجنبهم شر الانزلاقات الخطرة لبلد لا نريد له جميعاً سوى الاستقرار وتوفير حياة كريمة لملايين خرجت تطلعاً لحاضر أفضل وغد يحقق الأمان لأبنائهم وأسرهم.