اعتاد القادة والمسؤولون الإيرانيون نفي أي صلة لبلادهم بسلوكيات الميلشيات والأذرع الإرهابية الطائفية التي تعمل ضمن ما يعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وهو محور معلن وتحرص طهران على تأكيد وجوده وأهدافه ولا تنكر قيادتها لهذا المحور الذي يشمل أيضاً سوريا وميلشيات إرهابية عدة منها "حزب الله" اللبناني، وجماعة "الحوثي" اليمنية، وفصائل عراقية شيعية مختلفة، بالاضافة إلى حركة "حماس" الفلسطينية.
"محور المقاومة" ليس حلفاً تقليدياً ولا إطار مؤسسي رسمي، ولا يضم قوى أو أطراف دولية متعددة، ولكنه أقرب إلى مراكز نفوذ إرهابية ميلشياوية تستثمر فيها إيران منذ سنوات وعقود طويلة من خلال المال والعتاد، وتنطلق في ذلك من أساس أيديولوجي طائفي، ويرفع هذا المحور شعار العداء مع ما يعرف بـ"الاستكبار العالمي" والمقصود به الولايات المتحدة بالاضافة إلى إسرائيل، ويزعم هذا المحور السعي لتحرير القدس والأراضي الفلسطينية، ويقف على أرضية مشتركة مع سوريا منذ قيام ثورة الخميني عام 1979 ثم تأسيس "حزب الله" الذراع الأقوى لإيران إقليمياً عقب اجتياح بيروت عام 1982.
وكي نتوقع حجم التأثير الإيراني على هذه الأذرع، يمكن أن نسترشد بالأرقام في هذا الشأن، حيث تشير ورقة صدرت عن "معهد واشنطن" في يوليو 2015 إلى أن إيران تمول "حزب الله" اللبناني بنحو 200 مليون دولار سنوياً، بالاضافة إلى الأسلحة والتدريب والدعم الاستخباري والمساعدات اللوجستية، وهو دعم يتأثر سلباً وايجاباً بموارد إيران من صادرات النفط، رغم أن طهران تحرص على عدم تقليص مستوى هذا الدعم بدرجات كبيرة بالنظر إلى الدور المحوري للحزب في تدريب ودعم ميلشيات إرهابية إقليمية أخرى، فضلاً عن دوره في التخطيط والتجهيز لعمليات خارجية لمصلحة الحرس الثوري الإيراني.
ورغم التباين الأيديولوجي فإن علاقة إيران مع حركة "حماس" الإرهابية، تحتل أهمية استثنائية في فكر القيادة الإيرانية، لأنها توفر للأخيرة الغطاء الحيوي للتدخل في القضية الفلسطينية، ورفع شعارات تعبوية تتعلق بهذه القضية، رغم أن الأهداف الاستراتيجية التي عملت عليها إيران من عام 1979 لم تكن من بينها القضية الفلسطينية بأي حال من الأحوال، فضلاً عن كون هذه العلاقة توفر غطاء مهماً لإيران لدحض فكرة "المحور الشيعي"، وربط نفسها بالعالم الإسلامي السني من خلال دعم أحد أبرز الفصائل الفلسطينية، علما بأن هذه الفصائل كانت تنخرط بالأساس في علاقات تحالف قوية مع سوريا، ولكن تراجع دور وتأثير دمشق منذ عام 2011، وانشغال سوريا بالصراع الداخلي قد وفر لإيران فرصة ثمينة للانفراد بقيادة هذا "المحور" الذي وظفت بعض أذرعه في خوض حرب بالوكالة دعماً للنظام السوري.
"محور المقاومة" هو أحد أخطر أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية، ولاسيما فيما يتعلق بتوسيع نفوذ إيران وترسيخ هيمنتها وتمددها الاستراتيجي في المنطقة العربية، حتى بلغ بها الأمر إلى التفاخر بـ"السيطرة" على أربع عواصم عربية، وهو ماورد في تصريح شهير أدلى به حيدر مصلحي وزير الاستخبارات الإيراني السابق في أبريل عام 2015، و أكد فيه أيضاً أن "جماعة الحوثي هي إحدى نتاجات الثورة الإيرانية"، وكذلك تصريح مستشار الرئيس الإيراني السابق لشؤون الأقليات علي يونسي، التي اعتبر فيها العراق "عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة"، وهو التصريح الذي أغضب بغداد وقتذاك واحتجت عليه رسمياً، فيما قال قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قائاني، إن "إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة"!.
في ضوء ماسبق وغيره من مؤشرات ودلائل، هناك تساؤل محوري حول طبيعة وحدود علاقة إيران مع وكلائها أو أذرعها الإرهابية الميلشياوية، وهنا نشير إلى أن العلاقات بين إيران وهؤلاء الوكلاء هي علاقة ترابط مصالحي قوي للغاية بالنظر إلى اعتماد هذه الأذرع على التمويل والعتاد الإيراني، ولو أضفنا إلى ذلك الرابط الأيديولوجي كما هو الحال بالنسبة لحزب الله اللبناني، فإن الروابط مع طهران تبقى متجذرة للغاية، حيث يؤكد حسن نصر الله زعيم الحزب علناً وبشكل متكرر أن ولائه الأساسي هو للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وهو من قال في سبتمبر 2019 ""أنا ذراع آية الله خامنئي في لبنان"، كما أعرب عن افتخاره بأنه "جنديّ في جيش الولي الفقيه".
وقد تابعنا كيف اختص أسماعيل هنية احد قادة "حماس" الإرهابية طهران بزيارة عقب اندلاع الصراع في غزة، حيث التقى المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو ما يدفع لمناقشة حقيقة النفي الرسمي الإيراني المتكرر مسؤولية طهران عن ممارسات وأفعال الأذرع المنتشرة في ربوع المنطقة، والتمسك بالرواية الإيرانية القائلة أن هذه التنظيمات تحظى بدعم طهران ولكن الأخيرة لا تتدخل في قرارات وسياسات هذه التنظيمات، بحسب ما يؤكد دائماً وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، وهو أمر يصعب التسليم به في ظل مجمل الشواهد القائمة، وفي ظل تحليل طبيعة العلاقات المعقدة القائمة بين إيران وهذه الأذرع الإرهابية التي تعتمد على التمويل والعتاد والدعم الإيراني بدرجات مختلفة ولكنها مهمة للغاية ولا غنى عنها بالنسبة لها.