في 8 مارس 2025، اعتقلت السلطات الأمريكية الفلسطيني محمود خليل المولود في سوريا، والناشط الطلابي والوسيط البارز في احتجاجات جامعة كولومبيا المؤيدة لحماس الارهابية، بعد أن اقتحمت عناصر من الجمارك وحماية الحدود (ICE) منزله. جاء الاعتقال بناءً على أوامر من وزارة الخارجية الأمريكية بإلغاء تأشيرة الطالب الخاصة به. حيث يُعتبر محمود خليل أحد أبرز الشخصيات التي برزت خلال اعتصامات الحرم الجامعي في كولومبيا، وقد لعب دورًا محوريًا في التفاوض بين الطلاب المحتجين وإدارة الجامعة، ومع ذلك، فإن قضيته تتجاوز مجرد النشاط الطلابي؛ فهي تسلط الضوء على كيفية استغلال الجماعات المتطرفة قوانين الهجرة الأمريكية لتسلل عناصرها إلى المجتمع الأمريكي وبناء شبكات داعمة قد تسعى للحصول على الجنسية لاحقًا، مما يعقد مهمة مكافحة الإرهاب.
محمود خليل، كان أحد الوجوه البارزة في حركة "كولومبيا لمقاطعة الفصل العنصري" (CUAD)، التي دعت إلى مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل ووقف الاستثمارات المرتبطة بها.
ومع تصاعد التوترات حول الحرب في غزة، تحولت الاحتجاجات التي شارك فيها محمود خليل إلى نقطة جذب لانتقادات حادة من مؤيدي إسرائيل، الذين اتهموه بترويج "دعاية حماس الارهابية". وعلى الرغم من نفي محاميه لهذه الاتهامات وعدم تقديم أدلة ملموسة على تقديم "دعم مادي" للإرهاب، فإن قضية خليل تفتح النقاش حول قضية أكثر خطورة: كيف يتم استغلال قوانين الهجرة الأمريكية لتسلل العناصر الإرهابية وبناء خلايا داعمة تحمل المواطنة الأمريكية لاحقًا، مما يصعب عملية ملاحقتها؟
محمود خليل ليس حالة منعزلة، فالجامعات الأمريكية، التي تعتبر وجهة مرموقة للطلاب الدوليين، أصبحت هدفًا استراتيجيًا للجماعات المتطرفة، فمن خلال برامج التأشيرات الطلابية، يتمكن طلاب أجانب من دول مختلفة، بما في ذلك الفلسطينيون، من الانضمام إلى هذه الجامعات. ومع ذلك، فإن بعض هؤلاء الطلاب لا يأتون بقصد التعليم فقط، بل يأتون أيضًا لنشر التطرف والتحريض على الكراهية.
على سبيل المثال، في عام 2019، كشف تحقيق أجرته وكالة الأمن القومي الأمريكية عن شبكة من الطلاب الأجانب في جامعة كاليفورنيا كانوا يستخدمون مناصبهم الأكاديمية لنشر أفكار متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، كما أن هناك حالات أخرى مشابهة، مثل طالب باكستاني في جامعة نيويورك الذي حوّل غرف النوم الجامعية إلى مراكز لتجنيد الشباب للانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). هذه الأمثلة توضح كيف يمكن أن تكون الجامعات أداة لاختراق الفكر المتطرف.
ما يثير القلق هو أن هذه الجامعات غالبًا ما تكون غير قادرة على اكتشاف أو التعامل مع هذه الحالات بسبب التزامها بمبادئ حرية التعبير، كما أن الطبيعة التنافسية للجامعات العالمية تجعلها أقل تحفظًا في اختيار طلابها، مما يفتح الباب أمام استغلال هذه المؤسسات من قبل جهات ودول خارجية.
تستخدم الجماعات المتطرفة التجمعات الطلابية والأندية الثقافية كواجهة لنشر أفكارها. على سبيل المثال، تم إنشاء مجموعات مثل "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SPJP) أو "كولومبيا لمقاطعة الفصل العنصري" (CUAD) تحت غطاء دعم القضايا الإنسانية، لكنها غالبًا ما تكون أدوات لنشر خطاب معادٍ للسامية أو مؤيد للإرهاب.
في عام 2023، أثارت مجموعة طلابية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، الجدل بعد تنظيمها ندوة بعنوان "مقاومة الاحتلال"، حيث تم تمجيد هجمات حماس ضد المدنيين الإسرائيليين، في حين أعلنت في عام 2024 عن دورة دراسية تصف حماس بأنها "قوة مقاومة ثورية تحارب الاستعمار الاستيطاني " للفصل الدراسي الربيعي لعام 2025، فيما أزالت لاحقا وصف الدورة، وقد واجهت الجامعة في مناسبتين منفصلتين دعوى قضائية تزعم معاداة السامية في الحرم الجامعي ، حيث رفع مركز لويس دي برانديز لحقوق الإنسان بموجب القانون، وهو منظمة غير ربحية، دعوى قضائية ضد جامعة كاليفورنيا في بيركلي في نوفمبر 2023، زاعمًا أن المسؤولين غضوا الطرف عن معاداة السامية.
على هذا المنوال والنوع من الندوات يتضح لنا انه ليس مجرد نقاش أكاديمي؛ بل هو جزء من استراتيجية أوسع لنشر الأيديولوجيات المتطرفة داخل الحرم الجامعي.
ويبدو الامر طبيعيا في دولة تؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي ولكن لو تمعنا قليلا سنجد هناك تدخلات اجنبية صارخة في الموضوع، هذا وقد لعبت دول عديدة مثل إيران - وليس حصرا عليها فقط- دورًا كبيرًا في دعم الحركة وتعزيز وجودها في الولايات المتحدة. إيران، التي تعتبر واحدة من أكبر الممولين لحماس بالإضافة لعدة دول اخرى، استخدمت شبكاتها المالية لتحويل الأموال إلى الجمعيات الخيرية الأمريكية، التي تُستخدم لاحقًا لدعم الحركة.
وعلى سبيل المثال، في عام 2012، كشف تحقيق لوزارة الخزانة الأمريكية عن شبكة تمويل موجهة لدعم حماس عبر جمعيات خيرية أمريكية، هذه الشبكة مكّنت الحركة من توسيع نفوذها داخل الجامعات، حيث استغلت الطلاب الفلسطينيين والأجانب لنشر أفكارها.
إذا كانت الجمعيات الخيرية والإنسانية تمثل أداة تقليدية تستغلها الجهات المشبوهة لتمويل الإرهاب، فإن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية أصبحت منصة استراتيجية للجماعات المتطرفة لنشر أفكارها وتجنيد العناصر المؤيدة لها. هذا الاستغلال يتجاوز مجرد تقديم الدعم المالي أو اللوجستي؛ بل يهدف إلى اختراق العقول الشابة وتشكيل جيل جديد من الناشطين الذين قد يحملون أفكارًا متطرفة دون أن يدركوا ذلك.
علاوة على ذلك، تستغل بعض الدول المارقة والجماعات المتطرفة الخطاب الأكاديمي لتبرير أنشطتها، فمن خلال تنظيم ندوات ومناقشات حول "حقوق الإنسان"، يتم تقديم الأيديولوجيات المتطرفة على أنها قضايا عادلة ومقبولة، هذا التلاعب بالخطاب الأكاديمي يجعل من الصعب التمييز بين النقد المشروع للسياسات الدولية وبين التحريض على العنف.
بالتأكيد استغلال الجامعات كمنصات لنشر التطرف ليس قضية جديدة، لكنه أصبح أكثر تعقيدًا في ظل العولمة وحرية التنقل، وهو ما يجعلنا نتساءل هل ستقوم الجامعات الأمريكية بإعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالتمويلات الأجنبية وتقييم نشاطات الطلاب الاجانب السياسية داخل الحرم الجامعي. وهل سيتم وضع آليات واضحة لرصد الأنشطة التي قد تتجاوز حدود حرية التعبير وتتحول إلى أدوات لخدمة الأيديولوجيات المتطرفة.
الجامعات ليست مجرد مؤسسات تعليمية؛ بل هي مرآة للمجتمع، ويجب أن تكون محمية من الوقوع في فخ الاستغلال السياسي أو الإرهابي.