مايحدث في مدينة حلب السورية منذ أسابيع مضت على المستويات الانسانية والعسكرية والسياسية مؤشر كاشف لأزمة النظام العالمي القائم، حيث تعتبر حلب ذروة أزمة طاحنة يعانيها الشعب السوري منذ سنوات مضت، ولم تندلع الأزمة أو تصبح مثار اهتمام عالمي بشكل مفاجىء، فقد سبقتها ارهاصات وأحداث لم تقابل سوى بصمت عالمي مطبق.
ويلفت انتباهي في الأزمة السورية بشكل عام أمور عدة أولها أن العالم قد بات يتعايش مع هذه الأزمة بشكل غريب ومستهجن، فما يحدث في سوريا من عربدة تنظيمات الارهاب والتطرف طيلة سنوات مضت لم يعد يثير ردة فعل قوية من المجتمع الدولي، وأكثر ما يمكن أن يجلبه في الآونة الأخيرة هو تصريحات تعاطف تدين وتنتقد وتستنكر وتطالب ... الخ. أما السوريين فقد اعتاد المجتمع الدولي التعاطي مع أزمتهم الطاحنة في شقها الانساني فقط، وبات التركيز ينصب على البحث عن آليات للتعامل مع أزمة لاجئين ونازحين، لا أزمة دولة تدخلت فيها قوى التطرف والارهاب فعاثت فيها فساداً حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه! والأمر الثاني الذي يلفت انتباهي في الأزمة السورية أن هناك تآكل وانهيار لمفاهيم ظلت طيلة القرون والعقود والسنوات الماضية ركيزة للأمن والاستقرار الدولي، بل هي عماد النظام العالمي القائم، وأقصد هناك تحديداً مفاهيم مثل سيادة الدولة، ومفهوم الدولة الوطنية، الذي كان نتاجاً مباشراً لصلح وستفاليا عام 1648، حيث ظهر هذا المفهوم واستقر في الوعي الجمعي العالمي ليشكل محوراً من محاور الأمن والاستقرار الدولي طيلة القرون والعقود الماضية. ولو أضفنا إلى ما يحدث في سوريا وغيرها من الأزمات العربية، مايدور في فضاء العلاقات السعودية من انتهاك لمبدأ الحصانة السيادية للدول، الذي يمثل أيضاً أحد ركائز العلاقات الدولية الحديثة، ويترجم أحد مبادىء ميثاق الأمم المتحدة، فإننا نجد أنفسنا أمام تساؤلات مشروعة من مثل: هل باتت سيادة الدولة الوطنية، وحصانتها السيادية من الماضي؟ وهي تنوي القوى الكبرى طي صفحة المبادىء والأسس التي قامت عليها وانبثقت منها الشرعية الدولية الحاكمة والناظمة لعلاقات الدول بعضها ببعض منذ نشأة الأمم المتحدة؟ وهل تحولت الأمم المتحدة من منظمة تطبق القانون الدولي وتلزم به اعضائها جميعاً حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، إلى مؤسسة دولية مسلوبة الإرادة لا هم لها سوى عقد اللقاءات وتنظيم الاجتماعات الدورية شأنها شأن منظمات اقليمية طواها النسيان ولم يعد لها ذكر سوى في مناسبات سنوية يلتئم فيها القادة والرؤساء للسلام وتبادل الابتسامات والصور التذكارية؟ وكيف يصمت المجتمع الدولي على تدخلات إيران في دول عربية أخرى عدة بالاقليم، باعتبار ذلك أحد مسببات التوتر والأزمات الاقليمية الساخنة في الشرق الأوسط، وكيف يمكن فهم تكوين إيران لجيش طائفي شيعي جل مهمته التدخل في دول اخرى لتحقيق مصالح استراتيجية إيرانية ضارباً عرض الحائط بميثاق الأمم المتحدة والقوانين والتشريعات والأعراف الدولية؟ وهل مايدور من حولنا يمثل ترجمة فعلية لانهيار النظام العالمي القائم بسبب تغير استراتيجيات الدولة القائدة (الولايات المتحدة) من ناحية، وصعود قوى منافسة على قيادة هذا النظام مثل روسيا والصين من ناحية ثانية؟ وهل يمكن أن تتحول حلب السورية إلى منعطف فارق وفاصل في مسيرة العلاقات الدولية في ظل التوتر المتصاعد بين موسكو وعواصم غربية عدة؟