في مواجهة العربدة الاقليمية التي يمارسها نظام الملالي الايراني قد لا يكون هناك أمام دول المنطقة جميعها سوى التحالف والاصطفاف جنباً إلى جنب، يداً بيد، في مواجهة هذه التهديد الخطير، الذي بات يمثل تحدياً للأمن والاستقرار ليس في المنطقة فحسب بل على الصعيد العالمي؛ فالواقع يشير إلى أن إيران تتعامل مع موانىء المنطقة ومياهها الاقليمية كأنها ملكية خاصة تستبيحها كما تشاء، وتفعل فيها ماتريد من دون أدنى احترام للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، ولاسيما ما يتعلق بسيادة الدول على أرضها واجوائها ومياهها الاقليمية، وهذا ما تعكسه السلوكيات الايرانية في استهداف قطع بحرية تابعة لدول أخرى أثناء عبورها في المياه الدولية .
في مواجهة هذه الاستباحة والعربدة الايرانية يصبح من حق دول المنطقة بل من واجبها حتماً أن تضع استراتيجيات وتبحث عن آليات للتصدي للتهديد الايراني المتزايد، سواء كان بتعزيز تحالفها الاستراتيجي القائم مع قوى كبرى، أو ببناء تحالفات جديدة مع دول اقليمية تعاني جراء التهديد الايراني ذاته، ويصبح أي تحفظ أو استغراب ايراني لهذه التحالفات ـ سواء صحت أو لم تصح أو لا تظال في طور الأفكار ـ غير منطقي سواء لأن سياسات الملالي هي من دفعت دول المنطقة إلى تبني ما يناسبها من إجراءات لحماية مكتسبات شعوبها والتصدي لأي تهديدات إيرانية طارئة، في ظل التصريحات التي تتحدث دائماً عن استهداف دول المنطقة في حال تعرض إيران لأي ضربة عسكرية من هذا الطرف أو ذاك، بل إن استهداف دول المنطقة بات حديثاً دارجاً على لسان قادة ومسؤولي نظام الملالي حتى لو تلقوا ضربة عسكرية من كائنات فضائية، وتلك مسألة تثير الاستفزاز والضيق بما تحمله معان ودلالات لا تليق بدول ذات سيادة ومكانة وتأثير اقليمي ودولي لم يعد يخفى على أحد.
وبالاضافة إلى أن مثل هذه التهديدات السخيفة تعكس افتقار الملالي لأي مبادىء أخلاقية أو سياسية تتعلق بحسن الجوار وغير ذلك من أمور لا يكف هؤلاء عن الاشارة إليها حين تتأزم علاقاتهم مع قوى كبرى يخشونها، فإنها تعكس أيضاً أهمية امتلاك دول مجلس التعاون الخطط الاستراتيجية اللازمة للتعامل مع مثل هذه السيناريوهات التي تسببت سياسات الملالي في نقلها إلى خانة الاحتمالات القائمة بالفعل، وليست الضعيفة او المستبعدة كما كان في فترات زمنية سابقة.
بالتاكيد من حق دول مجلس التعاون، وكذلك من حق أياً من دول المنطقة بناء تحالفات أمنية أو عسكرية طالما شعرت هذه الأطراف بخطر أو تهديد يطال أمنها وسيادتها على أراضيها، فحق الدفاع عن النفس حق سيادي تكفله القوانين والمواثيق الدولية، ولا يمثل اعتداء على سيادة أطراف أخرى، وعلى الأبواق الاعلامية التي تحاول الاساءة إلى دولنا من هذا المدخل أن تعود لحديثها الترويجي وتبريراتها الواهية لتحالفات أمنية سبق أن عقدتها أطراف اقليمية داعمة ومموله لها مع قوى اقليمية لها أطماع واضحة في دول عربية أخرى، بل هي بالفعل تحتل أجزاء من دول عربية مثلما عليه الحال في سوريا وليبيا!
في عالم اليوم، لم تعد التحالفات قائمة على أسس أيديولوجية أو عقائدية ولا حتى على شعارات رنانة كما كان يحدث في مراحل تاريخية سابقة، فالتحالفات باتت تكتيكية مرحلية مرتبطة بأهداف وقتية وتنطلق من أسس ومعايير مصالحية ولا تحتاج إلى مرجعيات وأسانيد أيديولوجية، فالتهديدات الاستراتيجية باتت متغيرة بشكل متسارع والمصالح المشتركة أو المتبادلة باتت هي الهدف الأساسي للدول، ولكن هناك أنظمة لا تزال تعيش خارج التاريخ، وتفكر بعقلية استعمارية بائدة تسعى للهيمنة والنفوذ، وتنظر للآخرين باستعلاء وفوقية يحولان دون رؤية واقع التغيرات والفوارق، التي راكمتها عقود وسنوات من التخطيط المثمر والعمل الجاد لتوظيف موارد الدول والشعوب وثرواتها من أجل توفير سبل الحياة الكريمة لمواطنيها.
وعندما اتجهت بعض دول مجلس التعاون إلى اقامة علاقات رسمية مع اسرائيل، حاول الملالي الترويج لهذه الخطوة باعتبارها "خيانة" مزعومة للقضية والشعب الفلسطيني، وعندما فشلوا في هذا المخطط، كونهم لم يقدموا للقضية ولا الشعب الفلسطيني أي شىء يذكر منذ الصيحات الأولى لثورة الخميني عام 1979، فإنهم الآن يحاولون التشكيك في أي خطوة تستهدف تقوية العلاقات الثنائية بين هذه الدول واسرائيل، وهذا الأسلوب الديماجوجي بات مكشوفاً ولم يعد ينطلي على أحد في ظل إدراك الجميع لمصادر التهديد والخطر الحقيقية سواء على اسرائيل أو على دول مجلس التعاون.
الخلاصة أن المخرج الوحيد لملالي إيران في مواجهة متغيرات الواقع الاستراتيجي الاقليمي الجديد هو التعايش كدولة طبيعية مسؤولة تلتزم بالقانون الدولي، ومن دون ذلك فإن عزلة هذا النظام البائس ستتعمق اقليمياً ودولياً وسيبقى مكبلاً بانتظار مصير محتوم يكتبه الشعب الايراني الذي يدفع فاتورة باهظة لسياسات لا تلقى قبوله ولا تحظى برضاه.