لا يمكن لأي مراقب موضوعي، يعرف جيداً محركات الدبلوماسية المغربية وتوجهاتها، أن يشكك في دوافع قرار المملكة المغربية الشقيقة بشأن قطع علاقاتها مع إيران، وذلك لأسباب واعتبارات عدة أهمها أن مجمل الشواهد تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المملكة ليست من الدول التي يمكن أن تنساق وراء الضغوط أو تخضع لإملاءات دول أخرى.
وهناك براهين ودلائل عدة في السنوات الأخيرة على توجهات الدبلوماسية المغربية التي تمضي وفق حساباتها الوطنية الذاتية التي نحترمها جميعاً. وقد تابع الجميع كيف أن الرباط قد تبنت موقفاً خاصاً بها عندما اندلعت أزمة قطر مع الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، ولم تغضب السعودية ولا الامارات وبقية الدول الأربعة واحترمت قرار الأشقاء في المغرب، ولم يقل أحد آنذاك أن المغرب تخضع لإملاءات أحد ولا تنساق وراء سياسات بعينها!
لا يمكن لأي مزايد أن يخضع مواقف المملكة المغربية للمهاترات أو المزايدات، بل يدرك الجميع أن قرار الرباط قطع العلاقات مع إيران لم يكن وليد لحظة انفعال ولا بناء على معلومات غير مؤكدة، بل إن المغرب قد أكد أن هناك "ثلاثة أدلة قاطعة تدعم قراره هي:
تدريب خبراء عسكريين من حزب الله اللبناني لعناصر البوليساريو على حرب الشوارع وتكوين عناصر كوماندوز، وإرسال أسلحة ومتفجرات من حزب الله إلى تندوف بالجزائر، وتورط عضو بالسفارة الإيرانية لدى الجزائر في تنظيم تسهيل ربط الاتصالات واللقاءات بين البوليساريو وحزب الله، حيث أشار الخلفي إلى أن عضو السفارة يحمل جواز دبلوماسي إيراني".
ورغم توافر هذه الأدلة القاطعة فإن المغرب لم يتخذ قراراً سريعاً بل قام وزير خارجيته بزيارة إلى طهران، حيث واجه الإيرانيين بهذه الأدلة، ولم يستطيعوا نفيها بشكل واقعي واكتفوا بنفي كلامي لا يمكن الاعتماد عليه في نسف صدقية هذه الأدلة المؤكدة.
لا يمكن في ظل حساسية ملف الأمن الوطني بالنسبة للمملكة المغربية، ولأي دولة أخرى ذات سيادة، أن تغض الطرف عن تدخلات دولة أخرى في ملف يتصدر أولويات الأمن الوطني، بل ويقدم دعماً عسكرياً ولوجستياً.
لم يستوعب نظام الملالي حساسية الأشقاء المغاربة لملف الصحراء الغربية، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي، ولا يوجد مايبرر السلوك الإيراني حيال هذا الملف سوى الرغبة في نشر الفوضى واثارة الاضطرابات في مختلف دول المنطقة.
يبدو أن نظام الملالي لم ينس تعاطف المملكة المغربية مع شاه إيران السابق، حين استضاف العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي بقي في المملكة المغربية لنحو شهرين، قبل أن يرحل عنها، ما تسبب في غضب الخميني، الذي رد بالاعتراف بجبهة البوليساريو عام 1980، ما تسبب في قطع العلاقات بشكل رسمي بين البلدين عام 1981.
لم يلق موقف المملكة المغربية بشأن مساندة مملكة البحرين الشقيقة إثر صدور مواقف إيرانية غير مسؤولة بشأن سيادة البحرين واستقلالها، واعتبارها "محافظة إيرانية"! ويبدو أن نظام الملالي كان ينتظر أن تبارك المملكة المغربية هذه النزعة العدوانية الاستعمارية الإيرانية على بلد شقيق! وتسبب هذا الموقف في قطيعة حتى عام 2014 تقريباً، وانتهى بعودة السفراء في عام 2015.
وهذا التاريخ تحديداً يؤكد زيف الادعاءات الإيرانية بأن قرار الرباط قد خضع لإملاءات دول أخرى، لأن الرباط قررت استئناف علاقاتها مع إيران في وقت كانت تشهد فيه العلاقات الإيرانية الخليجية توتراً كبيراً بسبب الملف النووي الإيراني، وبالتالي لم يكن هناك ارتباط بين هذا التوتر وقرار الرباط السيادي باستئناف علاقاتها مع النظام الايراني، ولو أن هناك ارتباط ما لما تمت هذه الخطوة وقتذاك!
لم يغضب نظام الملالي من موقف المملكة المغربية قدر غضبه من مساندة دول مجلس التعاون لإعلان الرباط قطع علاقاتها مع إيران، وإدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية، رغم أن هذا القرار كان يعكس مستوى العلاقات الأخوية التي تربط السعودية والامارات وبقية دول مجلس التعاون بالمغرب الشقيق.
بصراحة شديدة، ليس هناك ما يشكك في استقلالية القرار المغربي عندما نتحدث عن إدارة ملفات حساسة مثل ملف العلاقات مع إيران، ولو أن النظام الإيراني تخلى قليلاً عن "الفوبيا" التي تتملكه حيال دول أخرى لفهم سريعاً أن المسألة تتعلق بحساسية المغرب الشديدة تجاه الثوابت الوطنية وسيادة المملكة وأنه لا يمكن التهاون في أي تدخلات أو اعتداءات على هذه السيادة من قريب أو بعيد.
ولو أن نظام الملالي المعروف بعدم احترام سيادة الدول الأخرى ولا يرى غضاضة في تدخلاته المشينة في شؤونها، لو أنه حريص على علاقاته مع الرباط لعمل على احتواء الأزمة ولملمة آثارها ولكنه اكتفى، كالعادة، بمحاولة تزييف الحقائق واللعب بالكلمات في مواجهة حقائق دامغة لا يمكن دحضها سوى بالأفعال لا بالأقوال!