يمثل انتشار الميلشيات في منطقة الشرق الاوسط أحد أهم أسباب تفشي الفوضى وعدم الاستقرار في هذه المنطقة، ويدرك الباحثون والمتخصصون أن أزمات المنطقة ترتبط إجمالاً بوجود أذرع ميلشياوية تابعة بشكل مباشر لدول أو مدعومة من دول أخرى مادياً وعسكرياً، حيث تخوض هذه الميلشيات حروبا وصراعات وتشن هجمات تجعل من استعادة دور الدولة الوطنية صعباً للغاية، ولاسيما في حالات مثل اليمن وليبيا وغيرهما.
وفي مثال صاروخ لخطر الميلشيات والصراع القائم بين الدولة واللادولة في منطقة الشرق الأوسط، كشفت دراسة صدرت مؤخراً عن مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية في تل ابيب أن ترسانة "حزب الله" اللبناني من المقذوفات تعد أكبر من ترسانة معظم جيوش حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأضافت الدراسة أن التقديرات تشير إلى أن "حزب الله" يمتلك حوالي 130 ألف قذيفة، بما في ذلك صواريخ "كروز" الأسرع من الصوت" وصواريخ أرض ـ بحر، حصلت عليها ميلشيات الحزب من مستودعات أسلحة الجيش السوري في السنوات الأخيرة، ونوهت الدراسة إلى الميلشيا تحاول أيضاً تطوير قدرات باليستية دقيقة بدعم من إيران.
السؤال الآن: هل يُعقل أن يبقى المجتمع الدولي، ممثلاً في مؤسسات الأمن الجماعي، بعد كل التجارب التاريخية المؤلمة مع الحروب والعنف، صامتاً مكتوف الأيدي مكتفياً بإصدار بيان أو قرار بين الفينة والأخرى لإدانة هذا السلوك أو شجب هذا التصرف من دون أن يتحرك بشكل فعلي لردع الأطراف التي تهدد الأمن والسلم الدوليين وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها وتستخف بالقوانين والأعراف الدولية؟
وقد كان لافتاً للغاية أن يمر حديث بعض القادة والمسؤولين الايرانيين في وقت سابق عن احتلال أربع عواصم عربية من دون أي تعليق من مسؤول دولي، لذا فقد جاء الرد على هذا الصمت المريب، صريحاً من الجانب الايراني بالتمادي في سياساته التدخلية وزيادة التمويل العسكري والتسليحي والمالي الايراني للميلشيات التي يرعاها الملالي في العراق واليمن ولبنان وسوريا.
والحقيقة أن "حزب الله" اللبناني يمثل أحد الحالات الصارخة التي تفضح عجز المجتمع الدولي من ناحية وتحدي نظام الملالي للقانون الدولي من ناحية ثانية، فهذا الحزب الذي يمثل أحد أذرع إيران الخارجية، كان أول تجارب الملالي في بلورة استراتيجية الحرب بالوكالة، وتم استنساخه فيما بعد في دول عربية أخرى بقدرات تسليحية متفاونة تتوقف على عوامل عدة لسنا بصدد مناقشتها في هذا السياق، ولكن يبقى "حزب الله" النموذج الأكثر وضوحاً لهذه الاستراتيجية الايرانية البغيضة، سواء لكونه بات قوة تختطف الدولة اللبنانية بأكملها لمصلحة الممول والراعي الايراني، أو لكونه بات يمثل مصدر تهديد بتجاوز حدود الجغرافيا اللبنانية بتدخلاته في سوريا وعلاقاته المشبوهة مع ميلشيات مسلحة أخرى في المنطقة، فضلاً عن تسببه في دمار وخراب الدولة اللبنانية مرات عدة بخوضه حروب لا متكافئة مع اسرائيل، التي تعتبر الحزب مصدر تهديد قوي لأمنها واستقرارها، بما يجعل أمن الدولة والشعب اللبناني رهينة لأهواء وأغراض حسن نصر الله زعيم هذه الميلشيا الذي سبق أن اعترف بولائه التام والمطلق للمرشد الايراني الأعلى، حيث أعلن في سبتمبر 2019 صراحة وعبر كلمة متلفزة أنه ليس على الحياد إذا تعرضت إيران لأي حرب، وشدد على الولاء لخامنئي وقراراته، ليضع لبنان، هذا البلد العربي الذي لا تنقصه المشاكل والصراعات، في مواجهة لهيب أي حرب يريدها الملالي ولا يريدها اللبنانيون!
اللافت أن يبقى العالم صامتاً على مخطط ملالي إيران حتى تحولت مخازن أسلحة "حزب الله" على الأراضي اللبنانية إلى ترسانات تفوق تلك التي تمتلكها بعض جيوش حلف الأطلسي، والخطر في هذه الحالة لا يطال اسرائيل فقط، بل يطال الدولة اللبنانية ذاتها لأن الحزب يوظف هذه القوة المدمرة سياسياً في الداخل حيث يقوم بفرض كلمته بقوة السلاح واستعراض هذه القوة بين الفينة والأخرى، وتحديداً حين يستشعر أن هناك حاجة لانتزاع المزيد من النفوذ على الساحة اللبنانية، كما يطال هذا الخطر المنطقة العربية بشكل عام لأن تمدد الحزب قد اغرى الملالي باستنساخ النموذج في بلدان عربية أخرى، وبات "حزب الله" اللبناني المرجع الأساسي للميلشيات التي ينشرها الملالي ويمولونها ويزودونها بالأسلحة في اليمن والعراق وسوريا وغيرها.
في اليمن، هناك نموذج آخر للانتشار الميلشياوي الذي يرعاه ويموله نظام الملالي الايراني، حيث اختطفت ميلشيات الحوثي الارهابية عاصمة الدول اليمنية وبعض اقاليمها، ولا تزال تقاوم محاولات استعادة الشرعية الدستورية، بل وتقوم بين الفينة والأخرى بشن هجمات عسكرية داخل أراضي المملكة العربية السعودية، وفي العراق أيضاً نماذج آخر مستنسخة من "حزب الله"، ما يؤكد أن القضاء على معظم مشاكل الشرق الأوسط ومعضلات غياب الأمن والاستقرار تبدأ من القضاء على هذه الفوضى الميليشياوية وترسيخ مفهوم سيادة الدولة، لأن انتهاك هذه السيادة كان ولا يزال يمثل أحد أسباب الفوضى غير الخلاقة التي تعيشها دول عربية أخرى عدة.