قيل أن إيران اعتذرت لدى بغداد عن "التجاوزات" التي ارتكبها الزوار الايرانيون في معبر زرباطية الحدودي بين البلدين، وأعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه تلقى رسالة من الرئيس الايراني حسن ورحاني قد فيه "شكره وتقديره للحكومة والشعب العراقي لما قدموه لزوار أربعينية الإمام الحسين" وأن السفير الايراني قد قدم اعتذاراً لرئيس الوزراء العراقي، وهذا الاعتذار جاء بعد "لوم" وصفته التقارير الاعلامية بأنه "نادر" من حكومة العبادي للسلطات الايرانية، و حقيقة الأمر أو ماقيل عن "الاعتذار" وقبله "الللوم" يستهدف في مجمله الاستهلاك المحلي وتجميل صورة العبادي أمام شعبه بعد أن سمح لهذا العدد الهائل من الايرانيين بدخول العراق من دون تأشيرات أو حتى وثائق هوية شخصية!!!
ربما ينطلي الأمر على البعض، ولكن استقراء الأمور وفهم حقيقتها يوحي بأن ماحدث على المنفذ الحدودي في محافظة واسط العراقية أكبر من مسألة الاعتذار، فهناك اقتحام من قبل حشود إيرانية هائلة أعلن رسمياً أن أعدادهم تجاوزت نصف مليون زائر دخلوا العراق من دون تأشيرات بعد ما اقتحموا المنفذ الحدودي، وتردد رسمياً أيضا أن أعدادهم الفعلية تجاوزت المليون ونصف المليون في تدفق بشري نادر الحدوث!!
هذا الحدث الذي وصفه مسؤولون عراقيين بأنه انتهاك لسيادة بلادهم يضع الكثير من التساؤلات أمام نوايا إيران في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، لاسيما أن هناك العشرات من الأسباب والمبررات التي تدعوني ـ كمراقب ـ للتفتيش في ما وراء الدفع بهذا العدد الضخم من البشر إلى داخل العراق، وفي مقدمة هذه الأسباب أن السلطات الايرانية التي تعرف جيداً كيف تحصي أنفاس شعبها لا يمكن أن يمر عليها تجمع حشود مليونية على حدود العراق من دون تأشيرات، ثم تسمح لهم بالاعتداء على الحدود بين البلدين والدخول عنوة رغم أن هناك اتفاق مسبق يلزم السلطات الايرانية بعدم السماح لمن لا يحمل تأشيرة دخول بالاقتراب من الحدود العراقية!!.
ولو سلمنا جدلاً بسلامة نوايا طهران، فإن السلطات الايرانية التي سبق أن كالت الاتهامات من كل حدب وصوب متهمة السلطات السعودية بالفشل في إدارة موسم الحج هي نفسها التي تسببت في ارتكاب جرم فادح بحق دولة مجاورة حين سمحت لنحو مليون ونصف المليون زائر بالتدفق على أراضي العراق في موقف ربما يتسبب في إشعال نار الحرب لو حدث مع دولة اخرى غير العراق، الذي تقوده حكومة العبادي التي توفر لإيران الضوء الأخضر لما تفعله بالبلاد، والتي يدلي مسؤولوها بتصريحات مثيرة للسخرية مثل التعهد بمحاكمة كل من دخل العراق من دون تأشيرة!!.
أحد مظاهر سوء النية في ما حدث أن غالبية هذه الحشود لا تحمل وثائق رسمية إيرانية بالأساس أي أنها جاءت إلى الحدود في مهمة كلفت بها بل ربما أن المهمة اقتضت عدم حمل وثائق هوية شخصية من الأساس لسبب يدركه بالتأكيد من دبر هذه المهمة القذرة وخطط لها، فمن غير المقنع أن ينوي شخص السفر إلى بلد آخر ثم يذهب مباشرة إلى الحدود من دون وثيقة رسمية تثبت هويته (!) ناهيك عن مسألة تأشيرة الدخول من الأساس.
المسألة لاتحتاج إلى اجتهاد أو تحليل ولا مجال للتحامل والتوقعات فيها، فالداخلية العراقية نفسها، والتي يسيطر عليها قيادات شيعية، قالت بأن انفلات الوضع الأمني على الحدود مع إيران كان متعمداً من قبل الطرف الايراني، وهي اتهامات لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، خصوصاً أن أعداد الإيرانيين الذين دخلوا العراق في هذه المناسبة قد بلغ نحو ثلاثة ملايين شخص تقريباً.
ساسة عراقيون من السنة اعتبروا المسألة تجاوزاً بالغاً في حق سيادة بلادهم، واتهموا المسؤولين الايرانيين بالتعامل مع مدن العراق كجزء من بلادهم، فيما انهمرت تحليلات المراقبين عبر وسائل الاعلام تفسيرا وتحليلاً لما حدث، فالبعض اعتبره غزو إيراني من نوع جديد للعراق، بينما اتهم آخرون السلطات العراقية بالتراخي والتهاون في صد حشود الايرانيين، وقارنوا بين موقفها وموقف آخر مشابه من النازحين العراقين الذين فروا من محافظة الأنبار خوفاَ من تهديدات تنظيم "داعش" الارهابي" حيث وقف الأمن العراقي حائلا بينهم وبين الوصول إلى بغداد واحتجزوهم عند أحد الجسور، ولم يمر منهم سوى من جاء بكفالة عراقي آخر للدخول إلى بغداد!!.
هيئة علماء المسلمين العراقية اتهمت حكومة العبادي بانتهاج سياسة تستهدف الحاق العراق بإيران وسط صمت عربي ودولي، ولكن ردود الأفعال العراقية السنية القلقة هذه لم تجد صدى يذكر من الجانب العربي، كما أن القوى الكبرى لم تتوقف عند دخول هذا الحشد الهائل من الايرانيين إلى العراق، الذي مثل إحدى الساحات الساخنة في مكافحة الارهاب الدولي، ولم يتوقف المسؤولون الأمنيون بهذه الدول ولو لمجرد الاستفسار عن تفاصيل الحدث، ولو حتى من جهة الاطمئنان لعدم اندساس عناصر ارهابية وسط هذه الحشود والدخول إلى العراق، لاسيما أن الباب في هذه المسألة مفتوح امام اندساس عناصر ارهابية سنية أو شيعية، لدعم "داعش" و "القاعدة" أو لدعم ما يسمى بالحشود الشعبية الشيعية في العراق، إلا إذا كان الأمر تم ترتيبه مسبقاً مع الأجهزة الأمنية الإيرانية التي تعرف يقيناً هوية جميع العابرين والمتسللين تحت ستار زيارة العتبات المقدسة، ناهيك عن آلاف آخرين سيتجهون حتماً إلى الأراضي السورية للقتال هناك بجانب قوات الجنرال قاسم سليماني.
الكارثة التي تدركها حكومة العبادي جيداً أن المليون ونصف المليون متسلل إلى الأراضي العراقية بينهم عشرات الآلاف من عناصر الحرس الثوري ممن يستحيل التعرف عليهم أو تعقبهم في الداخل العراقي، فالمعروف أن إيران تستغل في العادة المناسبات الدينية للزج بعناصر الحرس والاستخبارات إلى الأراضي العراقية رغم وجود تأشيرات دخول رسمية لهم، فما بالنا والأمر ـ ظاهريا ـ قد خرج عن السيطرة وتسلل من تسلل وانفتح الباب العراقي على مصراعيه امام الطوفان البشري الايراني!! ثم بعد ذلك يبحث البعض عن سيادة العراق على أراضيه وعروبته وسط خطط إيرانية تنفذ في وضح النهار لتغيير الديموجرافيا العراقية وتكريس الطائفية في محافظات مثل صلاح الدين وديالي وغيرها.
الكارثة أكبر مما يتصور الغائبون عن المشهد ومنشغلون بما يدور في سورية، فما حدث في العراق جريمة تاريخية ارتكبتها إيران، ويكفي الاشارة إلى أن السلطات العراقية اعترفت بصعوبة العثور على نحو 150000 زائر أفغاني وإخراجهم من الأراضي العراقية، فهؤلاء هم وقود للميلشيات الشيعية وربما السنية أيضا، فإيران تسعى بوتيرة متسارعة لتنفيذ مخطط ابتلاع العراق ومن ثم التفرغ لاستكمال مخططها في الدول العربية المجاورة!!