يقفز اسم #الصين إلى الواجهة في أي نقاشات حول العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ويتكاثر الحديث بشكل خاص حول إحتمالية قيام بكين بدور وساطة لإنهاء هذه الأزمة غير المسبوقة،
اكتسب هذا الحديث زخماً بعدما قال مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن على الصين "التوسط في محادثات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا نظراً إلى أن الدول الغربية لا يمكنها لعب هذا الدور"،
المقاربات التي ترشح الصين للعب دور وساطة فاعل تنطلق من علاقات الصين القوية بروسيا، ولكنها لا تنظر كثيراً لتوتر علاقات الصين مع الولايات المتحدة التي يٌنظر لها كقائد للدول الغربية في هذه المواجهة مع #روسيا،
تتهم الأوساط الرسمية الأمريكية الصين بتقديم دعم ضمني لروسيا في حربها ضد #أوكرانيا ، وتحمّل بكين مسؤولية إندلاع هذه الحرب لحلف الأطلسي والولايات المتحدة،
الحقيقة أن الصين تنتهج مساراً حذراً للغاية في هذه الأزمة، فهي ترفض إدانة روسيا التي تربطها بها "صداقة لا حدود لها" على حد وصف بكين، التي تدرك تماماً أن الأعين تترصد مواقفها وتترقب خطواتها بدقة،
المواقف الصينية تجاه هذه الأزمة تُنسج بعناية بالغة، فهناك تركيز في الخطاب السياسي الصيني على أهمية "التفاوض المباشر" وضرورة تفادي حدوث "أزمة انسانية كبيرة"،
اللافت أن الإتحاد الأوروبي يدعو الصين للدخول على خط الوساطة في وقت يتحدث فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن عدم وجود حل دبلوماسي قريب لأزمة الحرب الأوكرانية، ما يعني أن باريس لا ترى أفقاً واضحاً لنجاح العمل الدبلوماسي،
الواقع يقول أن الدبلوماسية الصينية تمثل في الواقع طوق الإنقاذ للعالم في هذه الأزمة، ولكن الشواهد تؤكد كذلك أن بكين لن تدخل على خط الوساطة من دون دراسة كافية ووافية لفرص نجاحها في هذا الشأن.
اتصور أن الصين قد لا تدخل على خط الوساطة سوى في حالة التأكد من أن دورها سيخدم مصالحها الإستراتيجية أولاً، ثم تقديم العون للحليف الروسي للخروج من مأزق اوكرانياً ثانياً؛
لذا فإن الصين، كدولة كبرى لها ثقلها ومكانتها العالمية، لن تبادر بالدخول في وساطة من دون أن تحصل على ضوء أخضر من الرئيس بوتين، لاسيما أن بكين ليست بحاجة إلى دور في هذه الظروف والأفضل لها أن تبقى بمنأى عنها قدر الامكان،
الصين تسعى بالتأكيد للخروج من هذه الأزمة بأكبر مكاسب استراتيجية ممكنة، مع تفادي أي خسائر إقتصادية أو تجارية، لذا فهي لا تريد الدخول في مواجهة حادة مع الدول الغربية دفاعاً عن روسياً، ولا ترغب كذلك في خسارة موسكو بتقديم دعم مباشر وصريح لحربه في أوكرانيا،
بل حرصت على التفرقة بين ما يحدث في أوكرانيا وما يمكن أن تفعله حال قررت إستعادة جزيرة تايوان، معتبرة أن القانون الدولي يفصل تماماً بين الحالتين. وتدرك الصين أن موقفها في أزمة أوكرانيا لا ينفصل عن مبادئها التي تراهن عليها في رحلة الصعود لقمة النظام العالمي
تدرك الصين أيضاً أن طموحها الاستراتيجي يستوجب التمسك بأقصى درجات الحذر السياسي والدبلوماسي في التعاطي مع طرفي الأزمة، الغرب وروسيا معاً، كي لا تتأثر مصالحها بأي خطوات أو مواقف غير محسوبة بدقة تامة.